شكلت أزمة فيروس كورونا المستجد تحديا وأيضا فرصة لشركات الاتصالات في السوق المصرية، حيث وضعت البنية التحتية تحت الاختبار بعد مرور شهرين على الجائحة التي ضربت بقوة كافة القطاعات الاقتصادية وأثرت على مدخلات القطاع، لكنها خلقت نوعيات جديدة من الأعمال ومن أساليب وأدوات العمل المعتمدة بشكل كبير على استخدام الانترنت نتيجة العمل من المنزل، وأيضا تحرك المصريين بسبب الحظر نحو استخدام خدمات الانترنت بكثافة سواء للترفية أو زيادة الاعتماد على تطبيقات المدفوعات والمعاملات المالية والتعليم الالكتروني، وتطبيقات المحادثات وغيرها.
ودفعت هذه التغيرات، إلى الوقوف بشكل حقيقي على مدى نجاح خطط شركات الاتصالات واستثمارها الذكي خلال السنوات الماضية سواء في تحسين الخدمات أو المشاركة في صناعة التطبيقات الذكية ، او حتى مستقبلها الاستثماري في سوق منافسة يبدو ان خريطته ترسم من جديد.
“فولو أي سي تي” تحدثت مع عدد من قيادات شركات الاتصالات الأربعة في السوق المصرية للوقوف على هذه التغيرات وسياسات الشركات التنظيمية والفنية للتعامل مع مستجدات “مستقبل ترسم ملامحة أزمة جائحة كورونا” .
حجم الطلب على خدمات البيانات
تقرير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الأخير كشف ارتفاع مؤشرات استخدام خدمات الاتصالات وذلك في ظل الاجراءات الاحترازية وتطبيق حظر التجوال خلال شهر مارس وأبريل واستكمال العملية التعليمة لطلاب المدارس والجامعات بنظام التعلم عن بعد؛ وتظهر مقارنة مؤشرات خدمات الاتصالات في الأسبوع الثاني من شهر ابريل بالأسبوع الثاني من شهر مارس زيادة في استهلاك الانترنت المنزلى بنسبة 87 % وزيادة في استهلاك الانترنت للمحمول بنسبة 18 % .
ووفقا لقيادات الشركات وصل متوسط إرتفاع حجم الطلب على خدمات نقل البيانات منذ مارس الماضي بنسبة كبيرة جدًا تتراح بين 30 إلى 40 %، بما في ذلك الانترنت الأرضي والموبايل، وأجهزة الماي فاي وأجهزة الـ الجيل الرابع.
عادل حامد الرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات يرى أن الشبكة تعرضت لضغوط متزايدة حيث يعمل عدد كبير من المنزل، واستخدم الطلاب منصات عبر الإنترنت لتنفيذ الأعمال المدرسية ، لكن الشبكة استطاعت أن تستجيب لهذه الزيادة الملحوظة في الاستخدام إلى حد كبير دون التأثير على جودة الخدمة، وذلك بفضل عمليات التطوير الكبرى التي نفذتها الشركة في العامين الماضيين عبر التحول لتكنولوجيا الألياف الضوئية، والتي ساهمت في إحداث طفرة كبيرة في قوة تحمل الشبكة وفي زيادة متوسط سرعات الإنترنت المقدمة للعملاء.
يؤكد أليكس فورمان الرئيسي التنفيذي لفودافون مصر على هذا المطلب لمواكبة الزيادة، والاستهلاك المتنامي لخدمات الاتصالات والبيانات لتحسين جودة الشبكة. مؤكدا جاهزية الشركة لتوسيع قدرات الشبكة للمؤسسات والجهات العاملة بالدولة وتعديل سعة الشبكة في حالة أي تغيير في الطلب.
تابع أليكس فورمان “قامت بعض الدول والتي منها السعودية والأردن والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب افريقيا تخصيص ترددات اضافيه مؤقته لمشغلي المحمول ليتمكنوا من مجابهه الطلب المتزايد على الخدمات ليتيحوا الخدمات بالشكل اللازم والدي يستحقه عملائهم، فربما علينا أيضًا أن نأخذ هذه الخطوة بعين الاعتبار.
خالد حجازي الرئيس التنفيذي للقطاع المؤسسي لاتصالات مصر يؤكد، تحاول اتصالات مصر رفع الطاقة الاستيعابية لبعض المناطق التي وجدت فيها كثافات بعد أزمة كورونا، لكنه أشار إلى أنه من الصعب تغيير الشبكة التي تم بناؤها على مدار 13 عام في أسابيع ، كما أكد على ضرورة استكمال شبكات الفايبر تحت الأرض لتحسين الخدمات ، مشيرا إلى أن الشركة ليست في حاجة لترددات جديدة.
ولفت هشام مهران نائب الرئيس التنفيذى لشركة أورنج مصر لقطاع الشركات أن قطاع الاتصالات في مصر حدث به تطور كبير بما في ذلك البنية التحتية التي استوعبت حجم الزيادة على الطلب في الخدمات في الفترة الأخيرة بشكل مفاجئ، هذا بجانب أن أورنج منذ أكثر من عامين وهي تكثف الاستثمار في الشبكة.
هل سيعود الطلب على الانترنت على حجم الإيرادات المالية
يقول خالد حجازي ، أن ما يتردد حول أن قطاع الاتصالات أكبر المستفيدين من الازمة ليس صحيحا، مؤكدًا أنه سيكون هناك تراجع في إيرادات الشركات نتيجة الأزمة الحالية، ومعدل انخفاض الايرادات يتزايد من مارس إلى إبريل وهكذا حال استمرار الأزمة، فتراجع الايرادات يعود إلى خفض انفاق العملاء الذين تأثرو بالأزمة وفقدان كثير من العاملين وظائفهم وبالتالي الانفاق على الاتصالات سيكون آخر الأولويات.
وأضاف أن توقف قطاع السياحة وقطاعات أخرى خدمية أثرت بشكل كبير على عائدات الشركة في الفترة الأخيرة، فيكفي أن نحسب كم الفنادق والمطاعم المقاهي والمدارس وحافلات نقل الطلاب، هذا بالإضافة لتوقف عائد خدمات التجوال الدولي، والتجوال المحلي للسائحين حيث أن شهر فبراير ومارس من الشهور القياسية سنويًا في معدلات السياحة لمصر، لذلك مع تأثر هذه القطاعات وتوقفها نتوقع انخفاض في الإيرادات، وهو ما يتوقف على طول مدة الأزمة من عدمها.
انخفاض رواتب العاملين بالقطاع الخاص من المؤكد أثر على عائدات الشركة المحمول خاصة وأنه أول البنود التي يعمل الفرد على خفض الانفاق فيها هي خدمات الاتصالات وفقا لهشام مهران.
الجانب الإيجابي للأزمة الداعم للشركات
أليكس فورمان يري أن قطاع الاتصالات يشهد طفرة حاليا نظرا لدعم خدماته بحزمة من القرارات التي مكنت من طرح مزيد من الخدمات على سواء خدمات المحمول والاتصالات أو الحلول الالكترونية، وهو ما أدى إلى استيعاب شرائح مستخدمين جدد ، وهو ما يدعم القطاع في ظل الأزمة الحالية للصمود والاستمرار في تقديم الخدمات للمواطنين.
على صعيد دعم الخدمات التعليمية، قامت المصرية للاتصالات بعدة مبادرات لدعم التركيز على المنصات التعليمية وزيادة الإقبال على المحتوى التعليمي عبر الإنترنت حيث قامت الشركة بزيادة باقات الإنترنت الأرضي لجميع العملاء بنسبة 20% لمواكبة الزيادة في الاستهلاك دون تحمل العملاء أعباء إضافية.
وقامت اورنج بإنشاء منصة بالتعاون مع شركة أفايا على شكل فصول افتراضية، وتعمل حاليا مع أكثر من منصة لتقديم خدمات التعليم الإلكترونية للمدارس والجامعات بالتنسيق مع الجهات المسئولة في الدولة.
بينما أطلقت مؤسسة فودافون مصر لتنمية المجتمع منصة التعلم الإلكتروني “تعليمي” بالتعاون مع مؤسسة نهضة مصروأطلقت أيضا نظام إدارة التعلم عن بعد “ريدي سكول” والذي يمكن من التواصل بين إدارة المدارس والمدرسين والطلاب.صات التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
الطلب على الخدمات الالكترونية وعلى رأسها خدمات تحويل الأموال عبر المحمول، أوضحت اتصالات أن الأزمة عجلت من استخدام العملاء لخدمات اتصالات، كما أنها عززت من مفهوم الاعتماد على المحافظ الإلكترونية، خاصة اتصالات كاش ، ونجحت من خلالها في معاونة الدولة وتنفيذ خطتها لصرف منحة الرئيس للعمالة غير المنتظمة.
كما أطلقت الشركة “اتصالات TV” بالتعاون مع شركة رؤية الإمارات E-Vision، والذي يوفر مشاهدة الأفلام العربية والإنجليزية، كما يُتيح الترجمة العربية للأعمال الأجنبية. فضلاً عن توفير مجموعة متنوعة من البرامج والمسلسلات التلفزيونية والأعمال الرمضانية.
وأتاحت المصرية للاتصالات عبر موقعها الالكتروني أو تطبيق MY WE للتسهيل على عملائها في ظل هذه الظروف الاستثنائية هذا الي جانب خدمة المحفظة المالية WE Pay للمعاملات الالكترونية واتاحة انشائها من المنزل دون الحاجة للتوجه إلي أي فرع الشركة
وفيما يخص خدمات أورانج شهدت خدمات تحويل الأموال عبر المحمول عبر ” اورنج كاش” نموا كبير وفقا لمسئول الشركة، بجانب تعاونها مع شركات بحجم إي فاينناس وفوري لتقديم الخدمات الحكومية وتسهيل الدفع للعملاء من خلال محافظ أورنج حيث يستطيع العميل السحب من أكثر 100 ألف نقطة أو 800 فرع، وللتسهيل على قطاع الشركات ، تقدم أورنج خدمة VPN، وخدمات (QR Code) الذي يعمل على تقليل الوقت المهدر في نقل الاموال وبشكل آمن الكترونيا تماشيًا مع توجه وزارة الصحة لكون النقود قد تساهم في نقل الفيروسات.
وقامت “فودافون مصر” بتطوير محفظتها الإلكترونية “فودافون كاش” من اجل دعم التحول الرقمي لمزيد من الخدمات الحكومية حيث تنكن المحفظة المواطنين من البقاء في المنزل وتقليل التعامل النقدي من خلال دفع الفواتير وتداول الأموال بشكل الكتروني وآمن، وقامت فودافون بتقديم الخدمة، بالتعاون مع كلاً من ماستركارد و أمان حيث تُمكن هذه الشراكة “فودافون” من توفير خدمتها عن طريق أكثر من 25 ألف منفذ وأكثر من 140 فرع متخصص على مستوى الجمهورية تقدم خدمات إلكترونية متعددة للدفع والتحصيل.
كما دعمت منظومتها الخدمية بتطبيق “أنا فودافون” والذي طورته ليستوعب مزيد من الخدمات التي تغني المستخدمين عن الذهاب إلى المتاجر
مستقبل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مابعد جائحة كورونا
وفقا لقيادات الشركات يبدو مختلفا تماما … حيث أتاحت هذه الأزمة الفرصة للعديد من المؤسسات والشركات لاختبار منظومة العمل من المنزل عن قرب والحكم على كفاءتها بشكل عملي، وهنا يبرز دور التكنولوجيا من جديد، والتي منحت العديد من الشركات، القدرة على إدارة منظومة العمل من المنزل لتقليل حجم العمالة داخل المكاتب حتى تجاوز هذه الأزمة، فكان الاعتماد على الخيارات الرقمية كاجتماعات الفيديو Video Conference لتنفيذ الاجتماعات وورش العمل عن بعد، وكذلك الاعتماد على البريد الإلكتروني في تنفيذ الاعمال.
الأزمة أعطت الجميع الفرصة لتجربة الحلول التكنولوجية ودورها الحقيقي في تيسير أمور حياتنا وتغييرها للأفضل، ومنها منظومة العمل عن بعد، وبالتالي فإن ما ستحققه الشركات والمؤسسات في مصر وفي العالم من نجاح في هذا الصدد سيكون هو الفيصل في تغيير ثقافة العمل، خاصة وأن البنية التحتية القوية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أظهرت لأصحاب الاعمال والموظفين على حد سواء قدرة الحلول التكنولوجية على تقديم بدائل جيدة للعمل التقليدي.