كشفت دراسة جديدة أجراها معهد IBM لقيمة الأعمال بالتعاون مع مجموعة “إي آند” عن توجهات تحولية في تبني الذكاء الاصطناعي، وأبرزت الدراسة الفرص المتاحة التي قد تعيد تشكيل مستقبل التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأُطلق على الدراسة عنوان “الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: فرصة للتقدم والريادة”، وقد سطت الضوء على رؤى وآراء تم جمعها من مقابلات مع رؤساء تنفيذيين وصنّاع سياسات رئيسيين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر. كما تقدم منظوراً عالمياً عبر مشاركة خبرات قادة من مختلف الصناعات، ما يعكس طبيعة الفرص والتحديات الفريدة لهذه المنطقة الديناميكية.
وتشير الدراسة إلى أن الظروف الحالية مناسبة جداً لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يشجع 65% من الرؤساء التنفيذيين في المنطقة شركاتهم على تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، متجاوزين المتوسط العالمي البالغ 61%. وتشمل العوامل الرئيسية التي تدفع هذا الزخم الدعم الحكومي القوي والبحوث المركزة والاستثمارات في البنية التحتية، بالإضافة إلى تطوير المهارات بشكل استراتيجي والتعاون بين القطاعات المختلفة. وتظهر الحكومات حماساً خاصاً تجاه تطبيقات الذكاء الاصطناعي، نظراً للقيمة الاقتصادية الكبيرة التي تعد بها، الأمر الذي يسرّع دمجها في مختلف قطاعات الأعمال.
وقال هاريسون لونغ، الرئيس التنفيذي للاستراتيجية في مجموعة “إي آند”: «مع اقتراب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي، فإن هذا التعاون البحثي بين “إي آند” و”IBM” يأتي بتوقيت في غاية الأهمية. إذ يمثل هذا التقرير خارطة طريق للرؤساء التنفيذيين وصنّاع القرار لسد الفجوة بين الطموح والتنفيذ، لتتمكن المنطقة من ترسيخ مكانتها الريادية على مستوى العالم في ابتكارات الذكاء الاصطناعي.»
من جهته، قال سعد توما، مدير عامIBM في الشرق الأوسط وأفريقيا: “نفخر بالشراكة مع “إي آند” في إطار سعينا لرصد جاهزية المنطقة لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات. معاً، نساعد الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة على استكشاف آفاق الذكاء الاصطناعي بتركيز واضح على بناء البنية التحتية، وتطوير الكفاءات، واستغلال البيانات لتحقيق النجاح في الأعمال.”
وبينما يرى 54% من الرؤساء التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدم يعدّ عاملاً حاسماً لتحقيق ميزة تنافسية، تأتي الدراسة لتكشف عن وجود عقبات كبيرة، تشمل تحديات الجاهزية التقنية وخصوصية البيانات والأمن وتطوير الكفاءات. وتسلط هذه التحديات الضوء على الحاجة إلى التركيز القوي على القدرات الأساسية مثل تطوير المواهب وتوسيع البنية التحتية وأنظمة البيانات، لتتناسب مع الطموحات الإقليمية.
تشمل أبرز النتائج الأخرى للدراسة ما يلي:
على الرغم من إدراك الرؤساء التنفيذيين في المنطقة لأهمية البنية التحتية الرقمية، فقد انخفضت الثقة بقدرتها على دعم التوسع وجذب الاستثمارات الجديدة بشكل حاد، من 82% في العام 2023 إلى 64% في العام 2024.
54% من قادة التكنولوجيا في المنطقة يعتقدون أن شركاتهم تتمتع بالقدرة الكافية على تحمل المخاطر التكنولوجية وتنفيذ استراتيجيات الذكاء الاصطناعي بنجاح، وهي نسبة أقل من المتوسط العالمي البالغ 63%.
يعتقد الرؤساء التنفيذيون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن مقاومة التغيير على مستوى الإدارة العليا (41%) والموظفين (43%) أحد أكبر العوائق أمام الابتكار.
خمس أولويات لتحول الذكاء الاصطناعي
يسلط التقرير الضوء على خمس أولويات رئيسية لدفع تحول الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بهدف مساعدة الرؤساء التنفيذيين على تسريع مبادراتهم في هذا المجال وتوسيع نطاقها بشكل فعال. وهذه الأولويات هي:
من المتوقع أن يزداد استثمار الرؤساء التنفيذيين في المنطقة في الحلول السحابية الهجينة، ليتمكنوا من سد فجوات البنية التحتية الرقمية وضمان جاهزية أعمالهم للمستقبل.
يُعد تحديث بنية البيانات محور تركيزٍ أساسي، حيث يدرك 46% من الرؤساء التنفيذيين في المنطقة أهميته لتحقيق أهداف الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
تبقى مسألة اكتساب المواهب والاحتفاظ بها أحد أهم التحديات، حيث يعتبر 23% من الرؤساء التنفيذيين في المنطقة فقط أن استراتيجية اكتساب المواهب أولوية بالنسبة لهم. ورغم أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مثل برنامج مايكروسوفت لتطوير المهارات في دولة الإمارات، تساهم في تحسين الوضع، يجب على المؤسسات مواءمة استراتيجياتها للمواهب مع احتياجات الأعمال للحفاظ على تنافسيتها في المستقبل القائم على الذكاء الاصطناعي.
يكتسب الذكاء الاصطناعي المسؤول أهمية متزايدة لتحقيق النمو المستدام. ومع تزايد المخاوف بشأن خصوصية البيانات بنسبة 48% والامتثال التنظيمي بنسبة 43%، التي ذكرها الرؤساء التنفيذيين كأكبر عوائق لتبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ينبغي على المؤسسات تنفيذ أطر حوكمة قوية للذكاء الاصطناعي لضمان الامتثال وبناء الثقة.
تُعد استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية والشراكات بين القطاعين العام والخاص أساسية لتعزيز تبني الذكاء الاصطناعي. وللحفاظ على زخم مثل هذه المبادرات، يجب على المؤسسات تحسين استراتيجيات شراكاتها.
ومن خلال الاستفادة من دعم الحكومات، يمكن للمنطقة بناء منظومة متكاملة تربط بين الاستراتيجية والبنية التحتية والمواهب، مع التركيز على تعزيز عقلية الابتكار.
وأضاف هاريسون: «تمتلك المنطقة فرصة فريدة لرسم مسارها الخاص نحو تحول جذري في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك بفضل القيادة الرشيدة والموارد الوفيرة والسكان المثقفون رقمياً. إلا أن تحويل هذه الفرصة إلى واقع له تأثير ملموس يتطلب إجراءات جريئة وبراغماتية، بما في ذلك الاستثمار في بنية تحتية مخصصة ورعاية المواهب وتعزيز التعاون لمعالجة الفوارق الإقليمية.»
يحدد التقرير أيضاً عوامل رئيسية تسد الفجوة بين الاستراتيجية والتنفيذ، بهدف تحقيق الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي ودفع التحول الإقليمي. وتقدم هذه العوامل خريطة طريق للرؤساء التنفيذيين في المنطقة لمواءمة القيادة ودمج الموارد وتحسين العمليات، إلى جانب الاستفادة من فرص التعاون بين القطاعين العام والخاص لإنشاء منظومة ديناميكية ومستدامة للذكاء الاصطناعي.
مواءمة القيادة: يتطلب التكامل الناجح للذكاء الاصطناعي قيادة متماسكة على مستوى الإدارة التنفيذية العليا، بحيث يتم توحيد الأهداف التجارية والتقنية والمالية مع رؤية واضحة وقرارات متكيفة مع التطورات.
استراتيجية متكاملة: تركز الاستراتيجية الشاملة للذكاء الاصطناعي على ربط البنية التحتية والبيانات والمواهب مع الأهداف التجارية، بما يضمن التكيف مع اللوائح التنظيمية للسوق واحتياجاته.
التميز التشغيلي: لتحقيق التوازن بين النتائج السريعة والنمو طويل الأجل، يجب اتخاذ قرارات مرنة وحلول قابلة للتطوير، وضمان الوضوح فيما يتعلق بالإمكانات الداخلية مقابل الخارجية.
الشراكات بين القطاعين العام والخاص: العمل على تعزيز التعاون وتوحيد الابتكار ودفع التقدم المشترك عبر المنطقة، من خلال البناء على استثمارات القطاع العام في الذكاء الاصطناعي.
تبني الذكاء الاصطناعي يتطلب نهجاً مخصصاً
تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتنوعها الكبير، حيث تتفاوت الهياكل الاقتصادية والبيئات التنظيمية ومستويات الجاهزية التكنولوجية من بلد لآخر. لذلك، يجب تصميم استراتيجيات الذكاء الاصطناعي لتناسب احتياجات كل سوقٍ على حدة، بدلاً من تطبيق نهج موحد للجميع.
ولعل ما يميز المنطقة هو المزيج الفريد من الرؤى الوطنية الطموحة والاستثمارات الضخمة، إلى جانب نقاط قوة مثل رأس المال الوفير وموارد الطاقة وجيل الشباب المتمكن تقنياً والمتحمس للمستقبل. وتقود الحكومات مبادرات تبني الذكاء الاصطناعي من خلال تصميم نماذج تتناسب مع احتياجاتها الخاصة، بدعم من شراكات مع عمالقة التكنولوجيا العالمية، ما يعزز تطوير البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي.
منهجية الدراسة
يعتمد هذا التقرير على منهجية بحثية شاملة جمعت بين الأساليب الكمية والنوعية لمقارنة النتائج بين كبار الإداريين التنفيذيين عالمياً وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر.
أجرى معهد IBM لقيمة الأعمال، بالتعاون مع شركة أكسفورد إيكونوميكس، بجولتين من اللقاءات الاستقصائية التي شملت أكثر من 3000 رئيس تنفيذي و2500 إداري في مجال التكنولوجيا من كبار التنفيذيين، مثل الرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا والرؤساء التنفيذيين لتكنولوجيا المعلومات والرؤساء التنفيذيين للبيانات. وشملت العينة التنفيذية ممثلين من أكثر من 30 دولة و26 قطاعاً، تضمنت 149 رئيساً تنفيذياً و149 إدارياً من الإمارات والسعودية ومصر. وركزت المرحلة الأولى من الاستطلاعات، والتي أُجريت في الفترة بين ديسمبر 2023 وأبريل 2024، على القيادة والتكنولوجيا والمواهب وتأثيرات الصناعة الناشئة واستراتيجيات المؤسسات المستقبلية، مع التركيز على دور تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وقامت “إي آند” ومعهد IBM لقيمة الأعمال بعد ذلك بتحليل البيانات العالمية والإقليمية لاستبيانات المعهد لفهم آراء محددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولتعزيز النتائج، أجرت “إي آند” مقابلات نوعية معمقة مع ستة رؤساء تنفيذيين وصناع سياسات من الإمارات والسعودية ومصر، وذلك بهدف الحصول على وجهات نظر إقليمية حالية وتسليط الضوء على الاتجاهات السريعة والمتغيرة في المنطقة.
يضمن هذا النهج تحليلاً دقيقاً لأولويات الأعمال المتغيرة والتحولات التكنولوجية، فضلاً عن فهم ديناميكيات القيادة على المستويين العالمي والإقليمي.