شكل النمو الكبير في التنمية العمرانية في مصر، بوابة كبيرة لتحقيق قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قفزة على مستوى النمو المبني على التنمية المستدامة خلال السنوات القليلة الماضية، مدفوعا بالتحولات الكبيرة التي لعبتها التكنولوجيا في واقع القطاع بشكل كامل من البناء والبنية التحتية الرقمية إلى الخدمات والمرافق المتصلة بالبيانات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، إلى إجراء صفقات البيع والشراء وتنفيذ سياسات تسويقية أكثر شمولا وتأثيرا.
وهو التوجه الذي عزز من قوة القطاع العقاري المصري، ومستوى جاذبيته للمستثمرين والأفراد، مع ظهور أنماط جديدة ونوعيات أعمال مبنية على الحلول التكنولوجية المتكاملة والتعاون الوثيق مع شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى دخول المنافسة في مرحلة جديدة عنوانها “التكنولوجيا أولا”، وذلك على الرغم من تقلبات السوق نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها على مستويات التضخم وعمليات الشراء وأسعار الفائدة، حيث تعلمت الشركات الكبرى تجاوز هذا “الضجيج” باستخدام البيانات والمعلومات المرقمنة للتركيز على ما يخبرهم به سوق العقارات.
فبفضل المشهد الجديد لتكنولوجيا العقارات “proptech” ، أصبح جمع البيانات في الفترة الحالية أسهل في التناول والتعاون حولها واستخلاص رؤى مستقبلية منها أكثر من أي وقت مضى، ومع الإطار والاستراتيجيات الاستثمارية والتسويقية المناسبة، أصبحت الشركات العقارية القائمة على البيانات والتحول الرقمي أكثر تكيفا بالبقاء والنمو أيضا في الأوقات المضطربة، حيث يساعد الشركات على إدارة التغيير مجموعة الأدوات التكنولوجية الجديدة، التي تمنح التفكير المستقبلي واكتساب الكثير من الميزات التنافسية.
فاستخدام التكنولوجيا لم يتوقف في القطاع العقاري عند توفير البيانات وعمليات التسويق التي تزاحم صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فعدد من المشروعات العقارية على كافة المستويات التصميمة والفئوية، باتت تتمتع في الفترة الحالية بالعديد من الحلول التكنولوجية المتطورة كالتحكم فى منظومة المرافق العامة كالكهرباء والمياه والغاز، وأيضا الاتصالات والإنترنت عالي السرعة، بالإضافة إلى عمليات تدوير النفايات، وأنظمة صيانة وإدارة المبانى وكذلك وجود تطبيقات ذكية تعزز إدارة وتشغيل كافة الخدمات للأفراد والمؤسسات عن بعد.
وبحسابات الأرباح والخسائر، تغيرت المعادلة القديمة، انه مع الأزمات ينخفض الإنفاق على التكنولوجيا، حيث أصبحت الان باب كبير للخروج من الأزمات وأداة تمكين للتعامل والتحوط من تداعياتها الصعبة التي لايصلح معها الحلول التقليدية، وفي الحالة المصرية على المستوى الحكومي والقطاع الخاص تعد صناعة العقار رهان ومرتكز رئيسي للتنمية ، لايصلح معه أنصاف الحلول أوالتراجع خطوة للوراء على مستوى التطور المتلاحق في التكنولوجيا.
فعنوان المرحلة عاصمة إدارية ذكية تؤسس لجمهورية جديدة ومدن عديدة تنتمي لمدن الجيل الرابع تشمل أغلب محافظات الجمهورية، وعشرات المدن والمجتمعات العمرانية التي يقوم بتنفيذها شركات القطاع الخاص ويعتليها أربعة مكونات رئيسية تشمل البيانات والأتمتة والتعاون والحجم.
فهل الشركات العقارية مستمرة في الإنفاق على التكنولوجيا كمسار للنمو رغم ارتفاع مستويات التضخم وهل ارتفعت تكلفة الاستثمار بها ، وهل تعوضها حجم اقبال المستهلكين وارتفاع أسعار العقارات وماهي الأوجه التي تدمج فيها التكنولوجيا في القطاع العقاري ومستوى تأثيره.
قال المهندس علاء فكري، رئيس مجلس إدارة شركة بيتا إيجيبت للتنمية العمرانية، أن شركات التطوير العقاري تسعى للتوسع في إنشاء الأبنية الذكية والإنفاق على التكنولوجيا كمسار للنمو على الرغم من ارتفاع أسعار أنظمة التأمين والتشغيل المتعددة «الكهرومانيكية» حيث تستورد غالبيتها من الخارج، للاستفادة من الحوافز التمويلية الممنوحة لهذا النوع من البناء، والتي تخفض تكلفة الإنشاء في وقت تعاني فيه الشركات من نقص السيولة وارتفاع تكلفة الاقتراض البنكي.
وأشار إلى أن انخفاض تكلفة التمويل للأبنية الذكية دفع الشركات لوضع البناء الذكي والمستدام هدفا لها، فضلا على أنها تعتبر وسيلة تسويقية للمنتج خاصة أن الفرق في التكلفة مازال لا يتجاوز 12% مقارنة بالبناء التقليدي، خاصة مع تنامي الطلب من جانب المستهلك المصري لهذه النوعيات من البناء بعد سنوات من المعاناه المتعلقة بنوعيات الخدمات وتقديمها من جهات عديدة ولم تكن تصل للمستوى المطلوب.
ونوه علاء فكري، إلى ان تبني الدولة خلال السنوات القليلة الماضية التوسع في إنشاء مدن الجيل الرابع ساهم في تعزيز ثقافة المدن والمجتمعات الذكية على مستوى الجمهورية للأفراد وأيضا المؤسسات ، إلى جانب طرح الدول العديد من الرخص في مجالات متعلقة ، كرخصة تقديم خدمات الاتصالات للمجتمعات العمرانية المغلقة والتي حصلت عليها شركات الاتصالات العاملة في السوق المصري ووقعت العديد من الاتفاقيات مع شركات التطوير العقاري لتنفيذ مشروعات عمرانية ذكية.
ولفت ، أن السوق المصري سيستقطب المزيد من الاستثمارات في هذا المجالات رغم التحديات الموجودة على مستوى ارتفاع التكلفة وأيضا المتغيرات العالمية التي تفرض نفسها على الواقع الاقتصادي ككل، خاصة وأن العاصمة الإدارية الجديدة فتحت العديد من الفرص التسويقية لكافة المطورين ومشروعاتهم وإلقاء الضوء على مصر باعتبارها وجهة إقليمية للمدن الذكية.
وأكد على أن تحول نحو المدن والمجتمعات الذكية أحد أبرز الآليات التي تعمل على تلبية الاحتياجات المتزايدة لفئات كثيرة من المجتمع والتي تشمل البنية التحتية العصرية كالمياه والطرق والصحة والاتصالات وتقنيات ترشيد استهلاك الطاقة وغيرها ، مشيرا إلى أن هناك سعي من كافة الشركات لتحقيق رؤية مصر 2030 وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة من خلال تطبيق تقنيات المدن الذكية ومنها التقنيات الأمنية.
من جانبه قال المهندس عمر عتابي، الرئيس التنفيذي لشركة عتابي للاستشارات الهندسية، إن التوجه العالمي حاليًا نحو البناء المستدام المعتمد علي التكنولوجيا لايمنح فقط مستوى ترفيهي معين لقاطنين هذه النوعيات من الوحدات السكنية ، ولكنه أيضا يحفاظ على البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية فضلا عن انخفاض التكلفة مقارنة بالأبنية التقليدية وهو مايعزز الاستدامة للشركات وأيضا للدولة المصرية ككل.
وأشار إلى أهمية تكاتف الجهود بين أطراف المنظومة من شركات التطوير العقاري والمقاولات والدولة لما توفره هذه الأبنية في ظل انخفاض تكلفة إنشائها فضلا عن توفير التمويل اللازم لها، بالإضافة إلى الميزة التسويقية التي توفرها لبيع المنتج صديق للبيئة وذكي وفقًا لأحدث المعايير العالمية في البناء، منوها إلى أن التحديات الحالية لن تعيق النمو في هذا الاتجاه لأنه ببساطة أصبح جزء من رئيسي من سياسات شركات التطوير العقاري وعلى رأس أجندتها الاستثمارية لأن عنصر التكنولوجيا في البناء أصبح يمثل أحد أهم مقومات المنافسة في سوق العقارات المصري.
وأضاف المهندس عمر عتابي، أن التكلفة كانت مرتفعة منذ 10 سنوات في إنشاء الأبنية الذكية والصديقة للبيئة لكنها أثبتت جدواها الاقتصادية على المدى القصير في توفير الطاقة وتوفر تمويل أرخص مما يجعل تكلفة الإنشاء أقل حاليًا، مشيرا إلى أن القطاع العقاري الخاص في مصر أدرك أهمية تطوير المدن الذكية وبدأ في تطوير مناطق سكنية جديدة تقدم أحدث معايير المدن الذكية، وهو ما يشير إلى ضرورة التكامل بين هذه المشروعات وربطها في إطار تصنيفي موحد.
وأوصت العديد من الدراسات المحلية في السوق المصرية بضرورة تصنيف رسمي موحد لمؤشرات قياس المدن الذكية، وهو ما يتناسب مع المعايير العالمية في هذا الإطار وتضمن تحقق جدوى اجتماعية واقتصادية مناسبة للمدن والمجتمعات الذكية في مصر خلال السنوات المقبلة، وتشمل هذه المؤشرات، مؤشر قدرة البنية التقنية للمدن الذكية الذي يقيس مدى جاهزية البنية التقنية للمدينة الذكية التي تعتبر من أبرز عناصر النجاح في التحول نحو المدن الذكية، ومؤشر انتشار التطبيقات في المدن الذكية، بالإضافة إلى مؤشر الوعي واستخدام التطبيقات ومدى الرضا يعتبر رضاء المواطن ومدى تفاعله مع التطبيقات الإلكترونية المتبناة في إطار المدن الذكية أحد أهم عناصر نجاح عملية التحول إلى المدن الذكية.
وأشار المهندس عمر عتابي، إلى أن الارتفاعات المتتالية في تكلفة الإنشاء وزيادة أسعار مواد البناء نتيجة تداعيات الأزمة العالمية وارتفاع مستويات التضخم وأسعار الصرف سيدفع شركات التمويل العقاري للتوجه بشكل أسرع نحو الأبنية المستدامة لما توفره من مزايا في انخفاض التكلفة الاستثمارية والتشغيلية.
وأوضح أن الأبنية المستدامة أعلى في العائد الاستثماري، وذلك من خلال توفر تمويل أرخص، بالإضافة إلى طول عمر المنشأة منوها إلى أن الميزة الرئيسية للمدن الذكية، أن السكان لا يحتاجون إلى مغادرة أسوار مدينة للحصول على الخدمات، وهو ما يعزز الطلب على هذه النوعيات من المدن مع التغيرات التي طالت الحياة اليومية لفئات كثيرة، والتي تتعلق بالتنقل والحركة والبعد عن الزحام، وأيضا مستوى السرعة للحصول على الخدمات بكفاءة وفي التوقيت المناسب.
من جانبه قال حسن نصر، الرئيس التنفيذي لشركة جيتس للتطوير العقاري، إن شركات التطوير العقاري ستستمر في الانفاق على التكنولوجيا في الأبنية التي تقيمها حتى في ظل الزيادات المتلاحقة في التكلفة، و«لن نتخذ خطوة للوراء» على حد قوله، مشيرا إلى أن ارتفاع التكلفة يتحملها شركات التطوير العقاري والعميل باعتبارها مطلبًا للسوق كما انه توجه عالمي.
أضاف أن السوق تواجه نقصًا في بعض الأجهزة التكنولوجية التي تستخدم في المجمعات السكنية الذكية متوقعًا حل هذه المشكلة قريبًا مع الافراجات الجمركية على البضائع المستوردة في الموانئ ، منوها إلى أن وزارة الإسكان تتيح تيسيرات وتسهيلات للشركات التي تعتمد على الأنظمة التكنولوجية في عمليات الإنشاء في إطار توجه الدولة نحو إقامة مدن ذكية ومستدامة.
وشدد حسن نصر، على أهمية توفير مزيد من الحوافز لتشجيع الشركات للتوسع في الأبنية المستدامة والذكية والتي تجعل مصر ضمن التوجه العالمي نحو هذه الأبنية، وسيسهم في زيادة معدلات تصدير العقارات خلال الفترة المقبلة، منوها إلى أهمية ارتفاع معدل الأمان والاستدامة بالمدن الذكية،ووجوب تمتع خدماتها بدرجة عالية من الكفاءة، خاصة البنية التحتية التي تعد أساس التحول الرقمي والمدن الذكية.
وأكد على أن تحقيق استدامة المدن الذكية يعتمد على تخطيط طويل المدى يُقسم إلى فترات مرحلية لتحقيق الأهداف،منوها إلى أن تنفيذ البنية التحتية التكنولوجية يختلف من قطاع إلى آخر، حيث تحتاج إلى تقنيات مختلفة،بالإضافة إلى نوع التطبيقات،
من جانبه قال محمود داوود متخصص في ملف المدن المستدامة، أن التحول الرقمي يواصل تغيير الاقتصادات والأسواق على حد سواء، ما يدفع الشركات والأعمال للتجديد حتى تحافظ على أهميتها في السوق وعلى رأسها القطاع العقاري ، منوها إلى مفهوم التكنولوجيا العقارية، يشمل استخدام الشركات للتكنولوجيا بهدف تجديد وتحسين طرق الشراء والإيجار والبيع والتصميم والإنشاء وإدارة العقارات السكنية والتجارية.
وأشار إلى أن النظر للتكنولوجيا العقارية كتهديد أمر غير مقبول، حيث يجب أن يفكر القائمون على الصناعة ملياً بالأثر الذي يُرجَح أن تجلبه هذه التكنولوجيا، وأن تتبنى التحول الرقمي لمواكبة التطور الواقع ومواصلة جذب العملاء، ومع تطور البيئة العقارية، ستصبح متطلبات العملاء من المزايا التكنولوجية والمرونة هي المعيار الجديد في السوق.
ولفت محمود داوود إلي أنه على مدار عقود عديدة، ارتبط القطاع العقاري بأذهان الجميع باعتباره مقاوماً لأي نوع من أنواع الابتكار التكنولوجي، لكن ربما كان ذلك في الماضي، ففي ظل الثوره المعلوماتية التي يشهدها العالم، فإن أمران اثنان غيّرا وجه القطاع بشكل جلي: الأول يكمن في انفجار فقاعة الرهن العقاري في أواخر 2007، الذي تسبب بأزمة مالية عصفت بالعالم كله، فتلك الأزمة زعزعت القناعة بأن السوق العقاري لا يمكن أن يخسر قيمته، والأمر الثاني يتجلّى في تحوّل عادات المستهلك وتوقّعاته ضمن القطاع.
ونوه إلى أن إحداث التغيير بالشكل المطلوب وتحقيق الأهداف المرجوّة من التحول الرقمي في مجال قطاع العقارات يجب أن يتم بطريقة مدروسة تساعد العاملين في القطاع والعملاء معاً على تقبل التحول وفهمه بكل سلاسة ومن دون أي معوقات. ولتحقيق ذلك علينا اتخاذ إجراءات محددة، والقيام ببعض الدراسات التي تحلل الوضع الحالي، وتسلط الضوء على التقدم الذي يمكن إحرازه عبر أتمتة العمليات بكل دقة، وبعد ذلك نبدأ في وضع خطة زمنية للتغيير.
وأكد محمود داوود، أن التكنولوجيا في القطاع العقاري تتطور باستمرار ، ومنها مثلا التقنيات الافتراضية في العقارات التي تسيطر ببطء على السوق العقاري منذ ظهورها عالميا، إلا أنها في الفترة الأخيرة انتشرت بقوة وخاصة في دبي، ومازال القطاع العقاري في مصر بعيد تماما عن ذلك، ولعل هذا التأخر يرجع لأمور عديدة، لعل من أهمها غياب الوعي لدى أبناء الصناعة العقارية داخل مصر أنفسهم، سواء مستثمرين أو العاملين أنفسهم!
وأوضح إن العاصمة الإدارية الجديدة تمثل نموذجاً للمدن الذكية بكافة المقاييس، وأن الرقمنة أصبحت مفهومًا متزايد الأهمية في قطاع الإنشاءات والتنمية العقارية المصري، في ظل اتجاه الدولة لزيادة المشروعات العقارية والقومية المستدامة، التي تعتمد على التقنيات الذكية واستدامة التنمية والبنية التحتية المعلوماتية، في إطار جهود الدولة للتحول الرقمي في مصر وتطلعها نحو إنشاء المدن الذكية لاستيعاب الزيادة السكانية.