هل يمكننا التعرف على النتيجة الأرجح لطفرة الذكاء الاصطناعي؟ وهل ستكون تحولاً اقتصادياً أم خسائر فادحة للمستثمرين؟ أعتقد أن إجابة كلا السؤالين نعم.
ربما يكون تطور الذكاء الاصطناعي هو السؤال الأهم الذي يلوح في الأفق بشأن مستقبل سوق الأسهم والاقتصاد ككل. تمثل شركات التقنية “السبع الكبرى”، التي تُراهن جميعها بقوة على الذكاء الاصطناعي، أكثر من ثلث القيمة السوقية لمؤشر ”ستاندرد آند بورز 500“، وذلك ازتفاعاً من حوالي الخُمس في نهاية عام 2022.
ويشهد الاستثمار نمواً سريعاً. إذ ارتفع الإنفاق على معدات وبرامج معالجة المعلومات خلال العام الماضي بنحو 20% بالقيمة الحقيقية. وإلى جانب بناء مراكز البيانات، وزيادة القدرة على توليد ونقل الطاقة اللازمة لتشغيلها، وتأثير الثروة الناتج عن ارتفاع أسعار الأسهم، يسهم هذا بقوة في النمو الاقتصادي.
قد يستمر هذا الوضع لفترة طويلة. فكثير من كبار المستثمرين، أي شركات جوجل وميتاومايكروسوفت، يملكون سيولة نقدية وافرة وقدرة كبيرة على الاقتراض.
إن سباق بناء أفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي هو سباقٌ يحصد فيه الفائز كل شيء، مع تأثيرات شبكية قوية، ما يمنحهم حوافز قوية لتحقيق التوسع بأسرع وقت حتى لو تأخرت الإيرادات.
إلا أن سرعة التنفيذ مقيدة بمحدودية إمدادات الرقائق والمعدات المتخصصة الأخرى والكهرباء، بالإضافة إلى الموارد والوقت اللازمين لبناء مراكز بيانات ضخمة.
كيف تتأثر أسعار الفائدة بالإنفاق على الذكاء الاصطناعي؟
نتيجةً لذلك، سيظل الإنفاق على الذكاء الاصطناعي دافعاً خارجياً مهماً للنمو في عام 2026. كما أن لهذا الاستثمار الإضافي، مقارنةً بالمدخرات، تداعيات على السياسة النقدية من خلال رفع المستوى “المحايد” لأسعار الفائدة قصيرة الأجل التي لا تُحفز النمو ولا تُعيقه، سيدفع ذلك ضد تخفيضات أسعار الفائدة التي طالب بها الرئيس دونالد ترمب.
على المدى الطويل، سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي تحويلياً. يكاد يكون مؤكداً أن هذا سيرفع الإنتاجية نظراً لتطبيقه في مجالات تشمل البرمجة ومراكز الاتصال وإدارة البيانات ودمج العملاء ومراقبة المخاطر وكتابة التقارير وتشخيصات الرعاية الطبية وابتكار الأدوية الصيدلانية- ويزداد هذا التأثير مع دمجه في عمليات أخرى، مثل الروبوتات المتقدمة والسيارات والحافلات والشاحنات ذاتية القيادة.
مع ذلك، هذا لا يعني أن المستثمرين سيخرجون رابحين على المدى الطويل. يجب على مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي في مرحلة ما تحقيق إيرادات ضخمة جداً ليحققوا عائداً وافياً على استثماراتهم الضخمة.
على سبيل المثال، إذا افترضنا أن نفقات بناء البنية التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي ستتراوح بين 2 تريليون و3 تريليونات دولار، فستحتاج الشركات المعنية إلى إيرادات سنوية تبلغ تريليون دولار أو أكثر لتحقق الاستثمارات ربحاً جيداً- ويعود ذلك جزئياً إلى أن البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ستتردى بسرعة، ما يتطلب استثماراً مستمراً للحفاظ على أحدث التقنيات. هذا يمثل 3% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو ما أراه هدفاً صعب المنال.
لتحقيق هذا الهدف، ستحتاج شركات الذكاء الاصطناعي إلى قوة تسعيرية. ولتحقيق هذه الغاية، سيرغبون في تقييد زبائنهم ببنيتهم التحتية الخاصة. أما المستخدمون، فسيدفعون في الاتجاه المعاكس. سيرغبون في الحفاظ على إمكانية التبديل بين مقدمي الخدمات، ليتمكنوا من التفاوض على أسعار أقل. إذا نجحوا، فستكون إيرادات الذكاء الاصطناعي وهوامشه مخيبة للآمال.
دروس التاريخ تأتي من مجالات أخرى
يشير التاريخ إلى أن الخسائر قد تكون كبيرة. فقد أثبتت الحلقات السابقة من الابتكار التقني السريع -انتشار السكك الحديدية في القرن التاسع عشر، وظهور الإنترنت في القرن العشرين- أنها أحدثت تحولاً جذرياً، ولكنها استتبعت أيضاً استثمارات مفرطة هائلة وانخفاضات كبيرة في أسواق الأسهم.
على الجانب الإيجابي، لن يؤدي انهيار الذكاء الاصطناعي بالضرورة إلى حدوث أزمة مالية مماثلة للأزمة المالية لعام 2008. إنها في الأساس ظاهرة مرتبطة بسوق الأسهم. لا أرى نوع الرافعة المالية ومخاطر بيع الأصول بأسعار بخسة التي من شأنها أن تؤدي إلى الكارثة التي حدثت بعد آخر فقاعة كبيرة، وهي فقاعة الإسكان الأميركية. لكن هذا قد لا يُطمئن المستثمرين المعنيين.
بيل دادلي
باحث أول في مركز دراسات السياسات الاقتصادية بجامعة برينستون