أعاد إيلون ماسك عرض استحواذه الأصلي بقيمة 54.2 دولار لسهم “تويتر” إلى الأضواء، ربما كان ذلك لأنه لا يرغب في خوض إجراء قانوني يفضح المزيد من الرسائل النصية المحرجة.
لا نعرف بالضبط سبب قيام ماسك بالعدول عن أكثر قراراته المؤسسية المذهلة هذا العام، لكن الانتقاد اللاذع الذي وجهه الطرفان، ماسك و”تويتر”، لبعضهما سيتم التغاضي عنه سريعاً عند توقيع الأوراق، حيث أكدت “تويتر” أنها تلقت رسالة ماسك، وأنها تعتزم إتمام الصفقة، مما يعني بعبارة أخرى أن الصفقة قد تحدث فعلاً.
وهذا يدفعنا إلى تأمل أداء إحدى أكثر شبكات التواصل الاجتماعي نفوذاً في العالم تحت قيادة ماسك. وضعت مجموعات الحريات المدنية بالفعل يدها على الطريقة التي سيتغير بها الطابع الوسطي للموقع، خوفا من تدفق خطاب الكراهية والمعلومات المضللة بسبب آراء ماسك الغريبة والفوضوية حول حرية التعبير. (هو يرغب في أن يتحدث الناس بحرية أكبر على الموقع، ولكن ليس عندما ينتقدونه).
يبقى السؤال مفتوحاً.. كيف سيتم ذلك؟ ما يتضح بشكل كبير هو أنه في حال تمت الصفقة؛ ستصاب “تويتر” بصدمة ثقافية هائلة. تشتهر الشركة بترددها على المستوى الداخلي، إذ تتحرك قرارات المنتجات ببطء شديد لأن المديرين مهووسون بضرورة التوصل إلى إجماع فيما بينهم.
هذا الأمر سيتحول فجأة إلى هيكل استبدادي سريع لأن ماسك سيدفع “تويتر” إلى تحقيق أهداف تبدو مستحيلة في مواعيد نهائية سخيفة. سرعان ما سيُصاب الموظفون، الذين سخروا من العمل لدى ماسك في فيديوهات داخلية على برنامج “سلاك”، بالصدمة من المطالب التي ستبدو مجنونة.
على سبيل المثال، قال ماسك إنه يريد التحقق من أن جميع الحسابات على الموقع يملكها بشر مثلاً، وهذا يعني أنه قد يطلب من مهندسيه تقليص العدد الإجمالي للحسابات الآلية من 5% تقريباً إلى أقل من 1%. بينما قد يمنحهم الرؤساء التنفيذيون الآخرون عدة سنوات لتنفيذ المهمة، من المرجح أنه سيجعلهم يقومون بذلك في غضون الستة إلى الاثني عشر شهراً القادمة.
لدى ماسك تاريخ طويل من مطالبة شركاته بالقيام بالمستحيل، وتشويشنا في الواقع إلى الدرجة التي سنتساءل فيها عما سيحققونه. في عام 2019، أخبر ماسك المستثمرين أن “تسلا” ستطرح مليون سيارة أجرة ذاتية القيادة في نهاية عام 2020، وستتمكن السيارات من القيادة في أي مكان في العالم تحت أي ظروف. ولم يحدث هذا مطلقاً. وفي العام نفسه، قال ماسك إن شريحة “نيورالينك” (Neuralink) ستتم زراعتها في دماغ الإنسان بحلول عام 2020، وحتى الآن تم زرعها في القرود فقط.
في الواقع، لا يمتلئ ماسك بصفة التفاخر كلية، فقد أعاد تنشيط برنامج الفضاء الأميركي من خلال إطلاق صاروخ في المدار وهبوطه مرة أخرى على الأرض. لقد كان رائداً في ثورة السيارات الكهربائية العالمية أيضاً، ومنح الأوكرانيين الوصول إلى الإنترنت من خلال برنامج “ستار لينك” (Starlink) للاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية.
المبالغة في الوعود
ولدى ماسك كذلك تاريخ حافل بالمبالغة في إعطاء الوعود. ارتكبت سيارات “تسلا” ذاتية القيادة أخطاء خطيرة بينما دفع الآلاف من مالكيها نحو 15 ألف دولار مقابل ميزة القدرة الكاملة على القيادة الذاتية التي تتطلب في الواقع استمرار مشاركتهم في تشغيل السيارة.
استمر ماسك، بطريقة ما، في إقناعنا بالقيام بشيء مقابل الفوز بشيء آخر، وأخبرنا أن تحقيق الخيال العلمي على الأبواب. فعل ذلك مرة أخرى، الجمعة، عندما أزاح الستار عن إنسان آلي في فعالية لـ”تسلا” حول الذكاء الاصطناعي الأسبوع الماضي.
قال ماسك: “في العام الماضي، ارتدى شخص بدلة (روبوت) فقط”. كان هذا الأمر صحيحاً، وفي غضون 12 شهراً، صنع المهندسون من الصفر إنساناً آلياً يستطيع المشي على ركبتين مثنيتين قليلاً عبر المنصة، ويتضمن أسلاكاً تلتف حول المُشغلات خلف أطرافه ومفاصله المعدنية.
لم يكن الروبوت شيئاً ثورياً، ولكن مهندسي ماسك قاموا بعمل رائع في سباق تطوير التكنولوجيا في وقت قصير كهذا.
بدا ماسك، أثناء وقوفه على خشبة المسرح في عرض “تسلا”، الجمعة، وكأنَّه يلقي بالمزيد من التنبؤات سريعاً. قال إنَّ “تسلا” ستبيع الملايين من أجهزة الروبوت بأقل من تكلفة السيارة، معلناً: “أود أن أقول إنَّ المبلغ سيكون أقل وربما أقل من 20 ألف دولار”. (يُكلّف أرخص روبوت بحجم إنسان حوالي 150 ألف دولار).
يجب أن يتوقَع موظفو “تويتر” أنواعاً مماثلة من الضغوط، وسيتعين عليهم إيجاد طرق إبداعية لجعل تصريحات ماسك العامة منطقية. خلال عرض الروبوت، الجمعة، تفاخر مهندس مثلاً بأنَّ الروبوت “أوبتيموس” يستطيع ببساطة استخدام تقنية الطيار الآلي في سيارة “تسلا” للتنقل حول المكاتب. لم تذكر الشركة أنَّ التدريب على نظام القيادة الذاتية في “تسلا” المُسجّل في فيديوهات تمّ على الطرق وليس داخل المباني أو المصانع.
هذا التفاخر جعل من العرض التجريبي للإنسان الآلي الموضوع في عبوة لطيفة على مكتب موظف يبدو كأنَّه ضرب كامل من الخيال.
لذلك توقع أن يقوم ماسك بمد تكتيكاته إلى “تويتر”، حيث سيعد بتغييرات سريعة وكاسحة للقواعد، وسيطالب مديري المنتجات بإيجاد طريقة لعملها.
إن الأمر الكبير المجهول، مع ذلك، يتعلق بكيفية ظهور مطالبه الجريئة في مجال السياسة وحرية التعبير، وهو المجال الأكثر غموضاً والذي لا يمكن التنبؤ به مثل الهندسة.
كما أنَه سيصعب عليه للغاية دفع موظفي “تويتر” لمتابعة أهدافه النبيلة، ويعني تناقضه المثير للجدل مع الشركة أنَّه سيبدأ قيادته بفقدان كبير في الثقة. سيحتاج ماسك إلى كسب احترام موظفيه إذا أراد منهم تنفيذ مطالبه التي قد تكون أكبر طموح حتى الآن.
بارمي أولسون
كاتبة في بلومبيرج في مجالات التكنولوجيا