شهدت شبه الجزيرة الأيبيرية، اليوم الإثنين، واحدة من أكبر أزمات انقطاع الكهرباء في التاريخ الحديث، حيث تأثرت إسبانيا والبرتغال وأجزاء من جنوب فرنسا بانقطاع كهربائي واسع النطاق بدأ حوالي الساعة 12:30 ظهرًا بالتوقيت المحلي.
تسبب هذا الحادث الاستثنائي في شلل كامل للبنية التحتية الحيوية، مما أثر على ملايين المواطنين وأدى إلى تعطيل خدمات النقل والاتصالات والخدمات العامة بشكل غير مسبوق.
امتد الانقطاع الكهربائي ليشمل معظم أنحاء إسبانيا والبرتغال بالإضافة إلى أجزاء من جنوب فرنسا، مع استثناء ملحوظ لجزر البليار وجزر الكناري وسبتة ومليلية التي لم تتأثر بسبب اعتمادها على أنظمة كهربائية مستقلة، وقد تسبب الانقطاع في توقف كامل لشبكات المترو في مدريد وبرشلونة ولشبونة، وتعطل إشارات المرور وازدحام مروري غير مسبوق، انقطاع خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة في عدة مناطق، وتعطيل أجهزة الصراف الآلي وأنظمة الدفع الإلكتروني، واضطراب في حركة الطيران بمطارات رئيسية مثل مدريد-باراخاس وبرشلونة-إل برات.
هجوم سيبراني أم خلل فني؟
يقدم أحمد الأسدي، خبير الأمن السيبراني في IMI، تحليلاً مفصلاً يشير إلى احتمال قوي لحدوث هجوم سيبراني وراء هذه الأزمة، ويستند في رأيه إلى عدة أدلة، منها اتساع نطاق الانقطاع ليشمل ثلاث دول بهذه الأهمية في نفس الوقت أمر غير معتاد في حالات الأعطال الفنية العادية.
كما يلاحظ الخبير أن تشخيص أعطال البنية التحتية للكهرباء يكون عادةً أسرع بكثير مما شوهد في هذه الأزمة، وأن الغموض الذي يحيط بالسبب غير مبرر في الحوادث التقنية المعتادة.
ويستشهد الأسدي بحوادث مماثلة وقعت في أوكرانيا عامي 2015 و2023، وكذلك في البرازيل عام 2024، حيث تم التأكد لاحقًا أن انقطاع الكهرباء كان نتيجة هجمات سيبرانية.
وكما يوضح الأسدي، فإنه يمكن لشبكات الكهرباء الحديثة أن تتعرض لهجوم سيبراني منظم بحيث يتسبب في انقطاع الكهرباء عن مدن بأكملها ومنشآت حيوية بعينها، كما أن اكتشاف الهجوم السيبراني يعتمد على طبيعة هذا النشاط ومدى تعقيده، لذلك يستغرق الأمر وقتًا في اكتشاف ذلك.
من جهة أخرى، اتخذت الجهات الرسمية موقفًا أكثر تحفظًا، فقد صرح رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا (رئيس وزراء البرتغال السابق)، بأنه “لا يوجد دليل على أنه هجوم إلكتروني”، لكنه أقر بأن السبب النهائي لا يزال غير معروف.
وأعلن المركز الوطني للأمن السيبراني في البرتغال أنه لم يعثر حتى الآن على أي دليل يشير إلى أن الانقطاع كان بسبب هجوم سيبراني، وصرحت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، تيريزا ريبيرا، بأنه “لا يوجد شيء من شأنه أن يسمح لنا بالاعتقاد بأن أي شيء كان متعمدًا”.
وقدمت بعض الجهات تفسيرات فنية للأزمة، فقد أشارت شركة “ريد إليكتريكا” الإسبانية إلى أن الانقطاع نجم عن “تقلب حاد للغاية” في تدفق الطاقة الكهربائية لسبب “غير معروف”.
ورجحت شركة الكهرباء البرتغالية (REN) أن السبب يعود إلى “ظاهرة جوية نادرة” أثرت على الشبكة الإسبانية، مشيرة إلى أن التقلبات الحرارية الشديدة تسببت في اهتزازات غير طبيعية في خطوط الجهد العالي.
وقدرت شركة “ريد إليكتريكا” أن استعادة الخدمة بالكامل قد تستغرق بين 6 إلى 10 ساعات، فيما ذكرت الشركة البرتغالية REN أن العودة إلى الوضع الطبيعي قد تستغرق ما يصل إلى أسبوع بسبب تعقيد إعادة توازن تدفقات الكهرباء دوليًا.
تثير هذه الأزمة تساؤلات مهمة حول مدى استعداد البنية التحتية الحيوية لمواجهة التهديدات السيبرانية المحتملة، وبينما لا تزال التحقيقات جارية لتحديد السبب الدقيق للانقطاع، تبقى فرضية الهجوم السيبراني واحدة من السيناريوهات المطروحة بقوة في الأوساط الأمنية والتقنية، رغم النفي الرسمي الحالي.