خطوة استراتيجية تبنتها الدولة المصرية لتعزيز بيئة عمل الشركات الناشئة في مصر، بقرار الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، باستضافة مقرات الشركات الناشئة العاملة في القطاع الخدمي بغرض التصدير لأول مرة، لتتمتع بمزايا العمل داخل المناطق الحرة من سهولة الإجراءات، والإعفاءات الجمركية والضريبية الكاملة، وهو مايدعم المسارات التشغيلية والمالية للشركات الناشئة ويرفع من معدلات نجاحها في النمو واقتحام الأسواق الخارجية.
ووفقا للهيئة، تبلغ إجمالي المساحة المتاحة للمقار الإدارية والتشغيلية للشركات الناشئة حوالي 9 آلاف متر مربع، وستستهدف الهيئة جذب استثمارات الشركات العاملة في مجال تصدير البرمجيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع التأكد من تواجد المؤسسات الداعمة للشركات الناشئة، مثل شركات الخدمات الاستشارية والتسويقية والقانونية، لتوفير بيئة عمل متكاملة ومستدامة لعمل تلك الشركات مايساعدها في بناء استراتيجيات عمل مناسبة ومطورة.
وتعد هذه الميزة الاستثمارية، من أكثر الأدوات الفاعلة التي راهنت عليها العديد من الدول لجذب الشركات الناشئة على مستوى العالم والمنطقة، فتأسيس شركة ناشئة في منطقة حرة يعد خيارا مثاليا حيث أن جميع الشركات العاملة في المنطقة الحرة تخضع لسلطات المناطق الحرة المسؤولة عن الرقابة وإصدار التراخيص، إلى جانب أن الرسوم الجمركية معفاة تمامًا، مما يعني أن الأعمال التجارية يمكن أن تستفيد من الإعفاء الضريبي الكامل على الواردات والصادرات.
وأشار الخبراء، إلى أن هذه الخطوة تعد مرتكز رئيسي لنهضة الشركات الناشئة في مصر ، حيث أنه يتلائم تماما مع طبيعة عمل الشركات الناشئة التي تحتاج إلي إنجاز وثائق الأعمال التجارية والطلبات في وقت قليل والتمتع بمرافق ذات مستوى عالمي سواء من حيث البنية التحتية، وشبكات الطرق القوية إلى جانب المزايا الضريبية والجمركية العديدة والتي تتناسب مع المعطيات المالية الخاصة بالشركات الناشئة دون ضغوط.
مسار سريع لرواد الأعمال
ونوهو إلى أن الهيئة العامة للاستثمار خصصت أيضا مسار سريع لرواد الأعمال لتأسيس وتشغيل شركاتهم، حيث يستغرق التأسيس الإلكتروني لشركة الشخص الواحد ساعتين فقط، كما يحصل رواد الأعمال على خدمة مُميزة VIP في مراكز خدمات المستثمرين دون تحميلهم أية رسوم إضافية، مشيرين إلى أن هذه الاستراتيجيات ستحسن بشكل مباشر من بيئة ريادة الأعمال وتشكيل مظلة للشركات الناشئة توفر لهم كل سُبل الدعم وتساهم في إزالة أية عوائق تواجه هذا القطاع متسارع النمو، وتطوير الحوافز والمزايا الممنوحة لرواد الأعمال لمواكبة التطور المستمر لهذا القطاع عالميا وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط.
ارتفعت قيم الاستثمارات التى جمعتها الشركات الناشئة فى مصر إلى نحو 61 مليون دولار، خلال الربع الأول من 2025، محققة نمواً بنسبة 15.1%، مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي، والتى سجلت خلالها الشركات 53 مليون دولار، وفقاً لبيانات منصة أفريكا ذا بيج ديل، كما أظهرت البيانات أن قيمة التمويلات قفزت بنسبة 125.93%، مقارنة بالربع الأخير من عام 2024، والذى سجل استثمارات بقيمة 27 مليون دولار.
يُذكر أن الشركات الناشئة المصرية جمعت نحو 400 مليون دولار خلال عام 2024، مستحوذة على 84% من استثمارات شمال أفريقيا، وكان قطاع التكنولوجيا المالية هو القطاع الأكثر حصداً للاستثمارات بإجمالى 237 مليون دولار، تلاه قطاع الخدمات اللوجستية بإجمالى استثمارات 23.5 مليون دولار ، ثم قطاع التجارة الإلكترونية بإجمالى استثمارات 22.5 مليون دولار ووزعت باقى الاستثمارات على قطاعات أخرى، كقطاع التكنولوجيا الصحية، والتكنولوجيا التعليمية والذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا العقارات، والخدمات البرمجية، وتكنولوجيا الزراعة.

أعلن حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، أن المناطق الحرة ستتيح لأول مرة استضافة مقرات الشركات الناشئة العاملة في القطاع الخدمي بهدف التصدير، للاستفادة من مزايا العمل داخل هذه المناطق، مثل سهولة الإجراءات، والإعفاءات الجمركية والضريبية الكاملة.
وأوضح هيبة أن إجمالي المساحة المتاحة للمقار الإدارية والتشغيلية للشركات الناشئة داخل المناطق الحرة يبلغ نحو 9 آلاف متر مربع، مشيرًا إلى أن الهيئة تستهدف جذب استثمارات في مجالات تصدير البرمجيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأكد أهمية وجود المؤسسات الداعمة لتلك الشركات، مثل شركات الخدمات الاستشارية، والتسويقية، والقانونية، بما يسهم في رفع معدلات نجاح الشركات الناشئة في النمو والتوسع بالأسواق الخارجية.
تأسيس مركز «بداية»
كما استعرض جهود الهيئة في تحسين بيئة ريادة الأعمال، بدءًا من تأسيس مركز «بداية» لريادة الأعمال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة قبل 15 عامًا، ثم إطلاق شركة الاستثمار «إيجيبت فينشرز»، وصولًا إلى استضافة الوحدة الدائمة لريادة الأعمال، والانضمام إلى المجموعة الوزارية لريادة الأعمال.
وأشار هيبة، إلى أن هذه الكيانات ساهمت خلال السنوات الماضية في توحيد الجهود بين مختلف الجهات المعنية، وتشكيل مظلة داعمة للشركات الناشئة، تعمل على تذليل العقبات وتطوير الحوافز لتواكب التطورات المتسارعة في هذا القطاع الحيوي.
وأضاف أن الهيئة خصصت مسارًا سريعًا لتأسيس وتشغيل شركات رواد الأعمال، حيث لا يستغرق تأسيس شركة الشخص الواحد إلكترونيًا أكثر من ساعتين، كما يحصل رواد الأعمال على خدمة مميزة (VIP) في مراكز خدمات المستثمرين دون أية رسوم إضافية.
وأشار الرئيس التنفيذي للهيئة، إلى جهود التنسيق والتعاون مع كل من الاتحاد الأوروبي، والسعودية، والمغرب، بهدف تسهيل توسّع الشركات المصرية في هذه الأسواق دون التعرض لتحديات مثل الازدواج الضريبي أو السياسات الحمائية، وذلك من خلال توفير الدعم الإداري والترويجي، خاصةً خلال المراحل الأولى من دخول هذه الأسواق.
وأضاف أن هذه الجهود تشمل أيضًا العمل على جذب استثمارات جديدة من تلك الدول إلى السوق المصرية.
وعلى الصعيد التشريعي، كشف هيبة عن قرب صدور قانون إنشاء وتنظيم “مناطق المال والأعمال” خلال العام الجاري، والذي يستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتأسيس صناديق الاستثمار، خاصة صناديق رأس المال المُخاطر، بهدف جذب التمويلات المحلية والأجنبية لدعم نمو الشركات.
نماذج في دول أخرى
هناك العديد من النماذج حولنا لدمج الشركات الناشئة في المناطق الحرة، ففي الإمارات توجد هيئة مناطق رأس الخيمة الاقتصادية (راكز)، والتي تعتبر واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية في المنطقة، حيث تدعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة والصناعيين في إجراءات ومتطلبات تأسيس أعمالهم. توفر مجموعة واسعة من تراخيص الأعمال في الإمارات، وخدمات تأشيرات الإقامة، ومرافق قابلة للتخصيص، بالإضافة إلى خدمات دعم ذات قيمة مضافة، تشمل المحاسبة والترجمة وفتح الحسابات المصرفية والتوظيف والمشتريات والتسويق، وغيرها الكثير.
وأطلقت منطقة التجارة الحرة في أم القيوين حاضنة “سول” للشركات الناشئة، في خطوة لدعم الابتكار والشركات التقنية سريعة النمو في الإمارات، وتستهدف الشركات العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والتقنية المالية والتعليمية والعقارية والتنظيمية والروبوتات، وتقدم العديد من الخدمات منها التأسيس والتوجيه من مرشدين متخصصين، والوصول إلى الأسواق وقنوات التمويل، وتقييم المنتجات الأولية، ومساحات عمل مجهزة، وبرامج تدريبية وورش عمل، وفرص التواصل مع المستثمرين، بجانب غيرها من المناطق الحرة التي تدعم الشركات الناشئة في الإمارات، وعلى رأسها منطقة واحة دبي للسيليكون الحرة.
وفي البحرين هناك خليج البحرين للتكنولوجيا المالية وتكنوبارك، وتركز على تقنية البلوك تشين، وابتكارات التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، وتقدم العديد من المزايا للشركات الناشئة، منها الإعفاء من ضريبة الدخل، وتكاليف التأسيس المنخفضة، والمساعدة في التوسع بدول مجلس التعاون الخليجي.

من جانبها قالت الدكتورة هبة مدحت زكي، مدير مركز مصر لريادة الأعمال والابتكار التابع للمعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة، أن إنشاء منطقة حرة للشركات الناشئة كان أحد المقترحات المطروحة في بيئة ريادة الأعمال منذ فترة، حيث كان هناك مطالب بإنشاءها لما لها من مرونة في إجراءاتها وسهولة التعامل مع الجهات الخارجية والتصدير وجذب العملة الصعبة، بجانب العديد من المزايا الخاصة بالإعفاء من الرسوم والضرائب، فالشركات الناشئة تحتاج إلى حوافز، ووجود منطقة حرة لها شكل من أشكال الحوافز التي تدعمها.
وأضافت أن تصريح الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بأن المناطق الحرة ستتيح استضافة مقرات الشركات الناشئة العاملة في القطاع الخدمي بغرض التصدير لأول مرة هو أمر مشجع وخطوة مهمة، ولكن الحكم عليها بعد صدور القرار بشكل رسمي ومعرفة المزايا والحوافز التي سيتم منحها للشركات الناشئة وتتضح ملامح القرار، ولكنها بكل تأكيد خطوة هامة لدعم الشركات الناشئة.
الاستماع إلى متطلبات الشركات
وأكدت الدكتورة هبة مدحت زكي على ضرورة الاستماع إلى متطلبات الشركات الناشئة نفسها وعرضها على أصحاب القرار بصورة واضحة، من أجل الإسراع في اتخاذ القرارات المناسبة وتذليل أي صعوبات تواجه عمل هذه الشركات، وذلك من أجل تقديم قيمة حقيقية تجذبها للتواجد في المناطق الحرة، ومن ثم تشعر بأن هناك عائدا على الاستثمار يمكن أن تجنيه من تواجدها في هذه المناطق ، فكلها حوافز تبحث عنها الشركات، وتحفز النمو في مجالات التكنولوجيا، بالإضافة إلى الحوافز الضريبية والجمركية والتسهيلات التي تساعد الشركات في عملها ونموها.
ولفتت، إلى أن هناك توقعات إيجابية خاصة بالشركات الناشئة في مصر خلال العام الجاري نتيجة بعض القرارات الاستراتيجية التي تم تبنيها ، خاصة إنشاء المجموعة الوزراية لريادة الأعمال، والتي ستدعم الاستثمار في الشركات الناشئة وتأسيس شركات جديدة، منوهة إلي أن وضع الحكومة إستراتيجية واضحة لهذا القطاع، سيصب في صالح الشركات الناشئة، خاصة في المجالات التي سيكون لديها فرصة للنمو، كالتكنولوجيا الزراعية والطاقة النظيفة، وشركات التكنولوجيا العميقة والذكاء الاصطناعي، بجانب القطاعات التي تحقق نموًا مثل التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية.

المستثمر رفيق دلالة الشريك المؤسس لشركة Intercap Capital، قال أن تواجد الشركات الناشئة في المناطق الحرة خطوة استراتيجية للتمهيد لإنشاء مناطق حرة مخصصة للشركات الناشئة، فقد كانت هناك نية لتأسيس تكنولوجي بارك في مصر، لتضم الشركات الناشئة وهيئة الاستثمار والهيئات المعنية بالشركات الناشئة، وتضم ممثلين من شركات وصناديق الاستثمار.
قوانين خاصة
ونوه إلى أنه عندما يكون هناك منطقة حرة للشركات الناشئة يمكنها الاستفادة من قوانين خاصة بها، ويكون هناك تشريعات خاصة بها، وتتيح لرواد الأعمال تأسيس شركاتهم بأسعار معقولة بتلك المنطقة، ويكون لدى صناديق رأس المال المخاطر مكاتب فيها، وتتعامل مباشرة مع الشركات الناشئة، فكل ذلك يسهل من تأسيس ونمو الشركات الناشئة.
تابع رفيق دلالة، ينتج عن هذا التوجه جذب الاستثمارات المباشرة للشركات بمصر، بدلا من خروج الشركات الناشئة للتأسيس بدول أخرى حتى تحصل على استثمارات، فالمستثمرون لن يكون لديهم المانع لكي تستمر الشركات في مصر، فكل ذلك يؤدي إلى تحسين المناخ لعمل الشركات الناشئة والمستثمرين، ومن ثم دعم الاقتصاد المصري بشكل عام.
وأكد على أن المناطق الحرة الخاصة تشكل محركًا أساسيًّا لدفع عجلة النمو الاقتصادي ليس فقط بالنسبة للدول وإنما أيضًا على المستوى العالمي، ولكي تحقق هذه المناطق أهدافها المرجوة لا بُدَّ من الاهتمام بالتخطيط لها بشكل منظم، وإدارتها وفق نهج مدروس، وتوجيه الاستثمارات في القطاعات التي من شأنها أن تعزز المزايا التنافسية للدولة، وذلك بما يتفق والأهداف الاستراتيجية للدولة.

وأوضح الخبير الاقتصادي أحمد خطاب أهمية وجود الشركات الناشئة في المناطق الحرة، إن دخول الشركات الناشئة في المناطق الحرة يمكنها من استيراد أي مكون خارجي كمواد خام بسهولة وبدون ضرائب أو جمارك، حيث سيتم التعامل مع تلك المواد على أنها مكونات سيتم تصنيعها في مصر ومن ثم تصديرها، فقوانين المناطق الحرة تعفي تلك المكونات من الضرائب والجمارك، وهذا سيمكن الشركات الناشئة من تصدير منتجاتها بسهولة لأن التكلفة ستنخفض، وهو ما يمثل ضوء أخضر من الدولة لتلك الشركات من أجل الانطلاق في التصدير من أجل زيادة الصادرات المصرية وهو الهدف الذي تسعى إليه الدولة، فالشركات الناشئة ستصدر منتجاتها بدون قيود.
وأضاف أن الشركات الناشئة التي ستتواجد في المناطق الحرة ستستفيد استفادة كبيرة من الاتفاقيات الدولية التي تعقدها هذه المناطق، وتقربها من الشركات الكبرى المتواجدة فيها، وهذا يعود بالنفع على الشركات الناشئة فيمكنها الاستفادة من تلك الشركات، كما أن تلك المناطق توفر مناخا خصبا ورائعا للتجارة والصناعة يتماشى مع المتطلبات الدولية والتصدير.
وأشار أحمد خطاب إلى أن المناطق الحرة تتيح للشركات الناشئة الوصول إلى الأسواق العالمية، مستفيدة من مواقعها الاستراتيجية واتفاقياتها التجارية، وهو أمر بالغ الأهمية للشركات ذات التطلعات العالمية، كما تجذب المناطق الحرة شركات رأس المال الاستثماري ومصادر الدعم المالي الأخرى، مما يوفر للشركات الناشئة رأس المال اللازم لازدهارها هذا بالإضافة إلى أن تلك الخطوة تتسق مع هدف الدولة في زيادة الإعفاءات الضريبية، مما يخفض التكاليف التشغيلية ويعزز من عمل ونمو الشركات الناشئة.