تشكل العملية التعليمية المفتاح الرئيسي لتنمية أى دولة تبحث عن تجربة صعود اقتصادية واجتماعية في العصر الحديث، ويعد التعليم التكنولوجي هو “الجوهر” الذي يمكن التحدث عنه في خطط الحكومات وتصور الخبراء في ظل معطيات عمل تتعلق بالتكنولوجيات المتقدمة وفاعليتها في القطاعات الاقتصادية خاصة مع تسريع عمليات التحول الرقمي وإعداد مخرجات لمستقبل التصنيع الذكي والتجارة الإليكترونية بغرض تعزيز الإنتاجية وتنمية الاقتصاد، ومنها إنترنت الأشياء والأنظمة السيبرانية والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبلوك تشين والتعلم الآلي.
وتهتم الدولة المصرية بشكل رئيسي بهذا التوجه خلال الفترة الحالية، في زيادة عدد الكليات المتخصصة في التكنولوجيا على مستوى الحكومة والقطاع الخاص وأيضا مدارس التكنولوجيا التطبيقية، في خطة منها لسد فجوة التوظيف في الدولة وتحقيق رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030 الهادفة بشكل رئيسي إلي زيادة المهارات التكنولوجية القوية والمهارات اللازمة للعمل في ظل دراسة تخصصات حديثة ولتلبية الاحتياجات الفعلية للسوق المحلية وأيضا العالمية، إلي جانب توفير الموارد البشرية الضرورية لتوطين الصناعات الكبري.
هذا إلى جانب العديد من المبادرات الخاصة بهذا وأهمها مبادرة التعلم التكنولوجي لتأهيل الكوادر المصرية الشابة على أحدث مجالات التكنولوجيا في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات وتراعها القيادة السياسية وتتبناها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتي تقوم على توفير منظومة تعليمية تطبيقية عالية الجودة مبنية على شراكة الجامعات المرموقة والشركات الرائدة على مستوى العالم معتمدة على منصات متميزة للتعلم الإلكتروني وتتكامل من خلال إتاحة مجموعات دراسية مساعدة ومحفزة وشبكات مراجعة للتقييم والمتابعة.
ولكن هل الطريق بهذه السهولة، وهل الألة التعليمية الحالية قادرة علي توليد الموارد البشرية المطلوبة في ظل توسع الدولة المتنامي في عملية التحول الرقمي وتنفيذ العديد من المشروعات الكبري في مجالات المدن الذكية والحكومية الإلكترونية وقواعد البيانات والبنية التحتية ورفع سرعات الانترنت وغيرها ، أم أن الصورة تحتاج لمذيد من الرتوش والأفكار للوصول إلي نتائج من أقصر الطرق خاصة في سوق يخرج منه سنويا مايصل إلى 650 ألف طالب ثانوي ، مع توليد 649 ألفاً و387 طالبًا.
محمد القلا، الرئيس التنفيذى لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية – CIRA،، أن توجه الدولة لإنشاء الكليات التكنولوجية بشكل خاص هو توجه إيجابي للغاية في هذا التوقيت في ظل الاحتياج الملح لسوق العمل للتخصصات التكنولوجية المتطورة التي تحتاج مع التعليم الجديد التدريب والتطبيق لهذه العلوم وهو ماتوفره هذه الكليات مما يعمل على سد الفجوة التي عاني من السوق لفترة طويلة في ضعف مخرجات الموارد البشرية المتخصصة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وأشار إلى أن كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية والوظائف النوعية التي تتمتع بمستوى دخل جيد أصبحت مرتبطة بالتكنولوجيا من كافة الأوجه ، فالتكنولوجيا تسيطر حاليا على حركة المصانع وإدارة البيانات، وليس هذا يتعلق بالشركات الكبرى فقط التي تتمتع بمقومات قوية وسيولة مالية مرتفعة بل امتدت أيضا للشركات الصغيرة والمتوسطة التي أفرزت لها منظومة التكنولوجيا برامج وأنظمة منخفضة التكلفة ، لكنها تحتاج معها موظف كفء ومؤهل لإدارتها والتعامل معها .
ولفت القلا، إلى أن هناك العديد من التحديات في هذا التوجه وهي ممثلة بشكل رئيسي في أن تكاليف التعليم التكنولوجى ليست بسيطة وهو مانحتاج معها للتوزان عبر تحديد رسوم دراسية أقل مع تحقيق أفضل هامش ربح، مشيرا إلى أن أنماط التعليم التكنولوجي أصبحت متطورة للغاية في تطبيق نماذج التعليم النظرية والعملية مما يخفض التكلفة التي كانت تقع في السابق على الجامعات المتخصصة.
وأشار الرئيس التنفيذى لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية ، إلى أن هناك العديد من المستثمرين الراغبين في الاستثمار في هذا المجال سواءا على مستوى مدارس التكنولوجيا التطبيقية أو الكليات التكنولوجية مع ارتفاع الوعي لدي الأسرة المصرية بهذه التحولات ، ورؤيتهم لما يطلق عليه “كليات القمة” وإن كان هذا الوعي محدود إلا أنه كافي في هذه المرحلة ومناسب لحجم ونوعية هذه التخصصات في الوقت الحالي ، لافتا إلى أنه من المحفز جدا للمنظومة أن يكون لدينا مايسمى ببكالريوس التكنولوجيا .
ونوه إلى أن التخصصات المتواجدة في الكليات الجديدة على مستوى الدولة تتنوع مابين تخصصات مختلفة تحتاجها الدولة بشكل ملح وتتناسب مع خطط الدولة التنموية كتخصصات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والرعاية الصحية المرقمنة والخدمات اللوجيسية والصناعة وغيرها.
وطالب محمد القلا،بضرورة إفساح المجال للقطاع الخاص في هذا النمط التعليمي الحديث، عبر المذيد من الحوافز ، مع مراعاة أيضا الكليات الحكومية في هذا التخصص والتي تحتاج إلى موارد مالية قوية من الدولة وأيضا بالشراكة مع مؤسسات التمويل الدولية المعنية، وأيضا تنفيذ شراكات محلية ودولية قوية لتطوير نظم تعليمها والمتمثلة في الهيئات والاتحادات الصناعية والتكنولوجية وأيضا الشركات المتخصصة المحلية والعالمية العاملة في مصر، مما يساعد على تكوين منظومة قوية تساعد في الحصول على معلمين وأكاديمين في الكليات مؤهلين، ومناهج متطورة ، وموارد دائمة ، ومستوى مميز من الخريجين يصلحون لسوق العمل .
وتوقع القلا، أن يحدث تغيير على مستوى الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في تنفيذ العديد من الكليات المتخصصة في التكنولوجيا والمدارس التطبيقية، خاصة مع التكلفة المرتفعة لإنشاء هذه الكليات التي تحتاج لورش ومعامل ومراكز متخصصة بحيث تقترب تكلفتها لميار جنيه .
ووافق مجلس الوزراء في يوليو الماضي، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن إنشاء 6 جامعات تكنولوجية جديدة وفقا لقانون إنشاء الجامعات التكنولوجية الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2019 ، وتشمل الجامعات: جامعة 6 أكتوبر التكنولوجية، ومقرها محافظة الجيزة، وجامعة برج العرب التكنولوجية، ومقرها محافظة الاسكندرية، وجامعة شرق بورسعيد التكنولوجية، ومقرها محافظة بورسعيد، وجامعة طيبة التكنولوجية، ومقرها محافظة الأقصر، وجامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية، ومقرها محافظة أسيوط، وجامعة سمنود التكنولوجية، ومقرها محافظة الغربية، وينص القرار على أنه يجوز للجامعة عقد شراكات مع كيانات دولية من الكيانات العاملة فى نفس المجال المنشأ من أجله الجامعة.
بينما بدأت إقامة فكرة مدارس تكنولوجيا تطبيقية في 2017، وتم تأسيس 3 مدارس في 2018، وفي خلال 4 سنوات وصل عددهم لنحو 41 مدرسة في 12 محافظة منها “القاهرة، الشرقية، بورسعيد، الاسكندرية، القليوبية، سوهاج، المنوفية”، بعدد طلاب 6500 طالب، منهم 1500 طالبة، وتتم الدراسة بالشراكة مع القطاع الخاص مثل شركات “بي تك”،وطلعت مصطفى،والمصرية للاتصالات، والعربي وغيرها.
من جانبه أكد الدكتور ماجد أبو العينين، عميد كلية التربية جامعة عين شمس السابق، على ضرورة التنسيق المستمر بين منظومة العمل والتعليم المرتبطة بالتكنولوجيا ، لإفراز معايير وأدوات قادرة على ربط مراكز التدريب بالكليات والجامعات التكنولوجية بمتطلبات سوق العمل الفعلية ، في ظل حالة التطور التي تشهدها التكنولوجيا يوميا ، فما نراه متطورا اليوم لايصلح للعمل ولا التعليم في المستقبل مع المنافسة المحمومة بين الدول في السباق التكنولوجي.
وأشار، إلي أنه وفقا للعديد من الدراسات فإن من المتوقع أن ينمو سوق تكنولوجيا الموارد البشرية العالمي من 24.04 مليار دولار في عام 2021 إلى 35.68 مليار دولار في عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.8٪ ، وهو مايكشف حجم النمو في هذا السوق على المستوي العالمي وأهدافه المتصلة بمصر خاصة مع تواجد عدد كبير من هذه الشركات في السوق المصرية وفي منطقة الشرق الأوسط، منوها إلى أنه في السنوات القليلة الماضية ،كانت الهندسة هي الأكثر شيوعًا ، وأصبحت علوم الكمبيوتر الآن هي المسيطرة نظرًا لأن أولياء الأمور يسمعون عن ذلك في وسائل الإعلام ، ويسمعون عن فرص عمل ، وهو مانرصده حاليا حيث نرى المزيد من الطلاب المسجلين في دورات علوم الكمبيوتر.
ولفت الدكتور ماجد أبو العينين، إلى إن البرامج والمناهج الحالية في الكليات التكنولوجيا والمدارس التطبيقية تستند إلى متطلبات سوق العمل والصناعة الناشئة ، مشيرا إلى ضرورة أن تركز المنظومة بشكل كامل على الشراكة مع شركاء الأعمال وما بعد الثانوية في المدن على مستوى الجمهوية وإجراء الكثير من الأبحاث حول الفرص الحالية، ثم النظر إلى الفرص التي ستظهر في السنوات القليلة المقبلة ونبني برامج تسمح للطلاب بالبدء في استكشاف هؤلاء في المدرسة الإعدادية.
وأكد عميد كلية التربية جامعة عين شمس السابق، علي ضرورة تطوير وتوظيف التطبيقات المختلفة لتكنولوجيا المعلومات في المساهمة في برنامج التحول الرقمي على مستوى المدارس الفنية بشكل خاص لتغيير الصورة الذهنية الخاصة بها والخروج بنماذج من الطلبة قادرة على الهام غيرهم ، لافتا إلى أن المدارس الفنية يوجد فيها توحيد للأطر الخاصة بالبرامج الدراسية لطلاب ، إضافة إلى توحيد المنهجية حيث تم مشاركة ممثلي سوق العمل في وضع المناهج والبرامج الدراسية والجدارات ويشاركوا في مراجعة الوحدات الدراسية وأيضًا عملية تقييم الطلاب وتوفير فرص تدريب نهائية للطلاب.
وكشف استطلاع حديث لشبكة سي إن إن الأمريكية ، حول سوق العمل في مصر أن 46٪ من المشاركين يرون أن المهارات التقنية والمهارات الشخصية ستكون بنفس القدر من الأهمية خلال السنوات العشر المقبلة،ويعتقد 44٪ أن المهارات التقنية ستكون أكثر أهمية من المهارات الشخصية، بينما يعتقد 10٪ فقط أن المهارات الشخصية ستكون الأكثر أهمية ، وتوقع المشاركون في الاستطلاع في الدولة بأن يزداد الطلب على هذه المهارات خلال السنوات الـ10 القادمة: مهارات الحاسوب/التكنولوجيا (96٪)، وإدارة الوقت (93٪)، ومهارات التفكير الإبداعي (92٪) تليها الرؤية الاستراتيجية (91٪)، والتفكير على مستوى عالمي (91٪)، والتواصل (89٪.
وتوافقاً مع التوقعات الحالية، يعتقد 76٪ من المشاركين في الإستطلاع أن العوامل التكنولوجية, مثل التحول الرقمي، والأتمتة، والذكاء الاصطناعي، وما إلى ذلك, ستساهم في تغيير طبيعة العمل مستقبلاً.
من جانبه أكد محمد عكاشة مؤسس صندوق Disruptech المتخصص في الاستثمار بشركات التكنولوجيا المالية، على أهمية إنشاء قواعد بيانات متكاملة لاحتياجات سوق العمل بشكل كامل، وذلك عبر التنسيق والتعاون بين الشركات والمؤسسات الحكومية، مشيرا إلى ضرورة أن تتضمن قواعد البيانات التخصصات المطلوبة من واقع احتياجاتهم، وبالتالي يأتي دور مؤسسات التعليم العالي في استحداث تخصصات جامعية متخصصة وإنشاء كليات تكنولوجية، بشكل مضاعف.
وأشار إلى ضرورة أن يتم ابتكار أليات اختبار لقياس مدى اكتساب الطلبة للمهارات التكنولوجية خلال فترات التعليم وليس بعدها، وذلك لوضع طلاب الجامعات في مواقف عملية تربط المعرفة النظرية بتطبيقاتها ، وإكساب الطلبة المهارات الرقمية بالتعليم والتجريب وليس بالتلقين بما يعمل على إثراء عقولهم وتجهيزهم لسوق العمل.
ونوه محمد عكاشة إلي ضرورة أن يعمل الإعلام على زرع الفكر الابتكاري في الأسر وأيضا الطلاب ، لخلق جيل جديد قادر على التكيف مع المتغيرات التكنولوجية ، منوها إلى أن الكليات التكنولوجية تعد المخرج الرئيسي لرواد الأعمال وأصحاب المشروعات الابتكارية التي تحظى بنموا مطردا في مصر خلال الفترة الماضية.
ولفت مؤسس صندوق Disruptech المتخصص في الاستثمار بشركات التكنولوجيا المالية، إلى أن هناك وعي اجتماعي حالي بأهمية هذه الجامعات وهو مايشكل فرصة كببيرة لتعظيم هذا التوجه ، مستدلا بما حدث من إعلان العديد من طلاب أوائل الثانوية العامة في وسائل الإعلام رغبتهم في الالتحاق بالكليات التكنولوجية.