حالة من السخط تسيطر على الشباب المصري بشكل عام وبيئة الأعمال بشكل خاص، بسبب ما ذكره المستثمر خالد إسماعيل من أن المستوى الابتكاري والإبداعي للشباب المصري محدود، حيث إن هذا الكلام مخالف للحقيقة، في ظل الكثير من الإبداعات والابتكارات التي يتميز بها الكثير من الشباب المصري في الكثير من المجالات، وأردنا أن نقدم مجرد نماذج قليلة من تميز هؤلاء الشباب.
من مصر إلى ماليزيا
أطلق رائد الأعمال محمود درويش شريكة ” Qoudra” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في 2012، حيث تعمل الشركة في مجال انترنت الأشياء وبناء شبكات انترنت تعمل بمصادر طاقة متناهية الصغر، وأصبح لدى الشركة عملاء في المنطقة العربية، وهو ما جذب شركة ” Skymind” الماليزية، ولذلك استحوذت على تقنية خاصة بالبلوتوث أنتجتها شركة Qoudra، ومن ثم انتقلت الشركة إلى ماليزيا في 2018، لتنتشر الشركة في منطقة جنوب شرق آسيا، وهي المنطقة المتميزة بالتقدم التكنولوجي.
مبتكر الروبوت
استطاع الشاب المصري باهي أحمد النسر ابتكار روبوت هيكل خارجي لإعادة تأهيل اليد، وهو الابتكار الذي أنجزه أثناء دراسته بالمعهد التكنولوجي العالي بمدينة العاشر من رمضان، وفاز هذا الابتكار بالميدالية الفضية في معرض جنيف الدولي للاختراعات في دورته الـ47.
يقوم الروبوت بعمل جلسات العلاج الطبيعي الفعال للمريض بعد تطور حالته وتمكنه من تحريك يده، بهدف استرجاع مسار حركة اليد بأسرع وقت ممكن وبطريقة مناسبة للمريض، والاختراع له عائد اقتصادي كبير، حيث إن نسبة المصابين بإعاقة اليد كبيرة في مصر، والعلاج بالطريقة التقليدية يستغرق وقتاً كبيراً.
واعتمد باهي في اختراعه على البحث في التفاصيل الدقيقة جداً في التصميم وخصائص مواد التصنيع ودقة التحكم بأبسط الحساسات والمتحكمات، حيث إن فكرة الاختراع جاءت من خلال البحث عن الاحتياج الفعلي للسوق من الأجهزة التي تخدم إعاقة اليد وسرعة التغلب عليها، وأن التجارب تمت بالمعهد التكنولوجي العالي بمدينة العاشر من رمضان واستغرقت 5 شهور.
محلل بيانات الأندية العالمية
يقوم رائد الأعمال علي الفخراني بتحليل بيانات اللاعبين، ومساعدة الأندية على التعاقد مع اللاعبين الأنسب لها، والإعداد للمباريات، وذلك من خلال منصة Arqam والتي تعاقدت معها أندية عالمية، وقامت بتحليل بيانات لكأس العالم بقطر.
فقد درس علي الفخراني إدارة الأعمال وريادة الأعمال في Northeastern University وتخرج في 2015، وعمل في مجالات الخدمات المصرفية وتحليل البيانات، قبل أن يسافر دبي ويعمل محلل استثمار، ثم عاد إلى القاهرة في 2017 ليؤسس Arqam مع شركاءه هشام أبو ذكري ومحمد أسامة.
وقد تمكن أثناء دراسته في بوسطن من التعرف على مجال البيانات الرياضية من خلال مؤتمر MIT Sloan للتحليلات الرياضية، وعلى الرغم من أن الفخراني لم تكن لديه خبرة سابقة في مجال التكنولوجيا، فقد تمكن من إنشاء مدونة لتحليل البيانات الخاصة بالدوري المصري الممتاز، وهي المدونة التي تحولت بعد ذلك إلى منصة أرقام، حيث تجمع المنصة بيانات كرة القدم وتحللها وتعرضها على الأندية والوكلاء والمشجعين والعلامات التجارية واللاعبين، وتجمع الشركة الناشئة أكثر من 5000 نقطة بيانات في كل مباراة بما في ذلك كل تسديدة وتمريرة ولمسة تحدث في ملعب كرة القدم.
وكان السبب وراء تأسيس تلك المنصة هو أن هناك آلاف اللاعبين يتنقلون بين آلاف الأندية كل عام، وحجم الصرف عليهم كبير، ولكن نسبة النجاح لانتقالات اللاعبين تكون 50% فقط، ولا يوجد مجال يقبل نسبة النجاح المنخفضة، وسبب انخفاض نسبة النجاح يعتمد على الطريقة التقليدية من التحليل واتخاذ القرارات، ومشاهدة اللاعب بالعين أو الفيديو، ولكن هذه الطريقة خادعة، فمن الممكن أن يؤدي لاعب مباراة كبيرة ويكون سيئا بعدها، كما أن تحليل البيانات في أي نادي يقوم على شخص فإذا رحل هذا الشخص على الناس لن يستطيع أحد أن يقوم بما كان يقوم به، واكتشف علي هذه المشكلة هو وأصدقاءه، ولذلك حاولوا حلها من خلال شركة” أرقام”.
وبدأ فريق العمل بناء سوفت وير يدخل على كل المواقع المتخصصة في كرة القدم في العالم من أجل تجميع البيانات، وبدأ تحليلهم يحصل على شهرة كبيرة، وتقوم المنصة بعمل تحليل أو تقرير للمباراة التي سيلعبها الفريق، بجانب تحليل لأداء الفريق، بجانب تقرير كل أسبوع لتحليل فريق الخصم، وتحديد من هو أحسن لاعب وكيف ينفذون الكرات الثابتة وغيرها من البيانات الهامة، وهناك تقرير كل شهر بالاجتماع مع المدرب لمعرفة اللاعبين الذين يمكن للنادي شراءهم.
وبعد ذلك قام فريق العمل بتطوير المنصة وتصميم البيانات بشكل يجعلهم يقيسون العديد من العوامل المفيدة، بجانب تطوير الجودة، وبدأوا يهتمون بكل فعل في المباراة سواء هجومي أو دفاعي، وأصبح السوفت وير يقيم ما إذا كان الفريق الخصم يهاجم أم يدافع، ويخمن من اللاعب الذي معه الكرة، حيث وفروا للنادي كل قرار ذكي يزيد من نسبة النجاح، وأصبح هناك بيانات تساعد النادي على شراء لاعب بإمكانيات محددة سواء السن أو اللعب بالقدم الشمال أو اليمين أو أي مواصفات معينة، وحققت المنصة شهرة خارج مصر، وأصبحوا متواجدين في العديد من الدوريات العالمية وعلى رأسها الدوري الإنجليزي والدوري الألماني والأمريكي وغيرها من الدوريات.
وقد قامت شركة”ستاتس بومب” البريطانية من الاستحواذ على المنصة في عام 2019، ونصت اتفاقية مبادلة الأسهم التي جرت عملية الاستحواذ من خلالها على الإبقاء على فريق عمل “أرقام إف سي” كما هو، وأيضا الإبقاء على الفخراني كرئيس لمنتج البيانات، وتطمح المنصة إلى مواصلة العمل على دمج رؤية الكمبيوتر المتطورة وتكنولوجيا التعلم الآلي في تطبيقاتها للمساعدة في أتمتة جمع البيانات.
قصة نجاح مصرية في أمريكا
هنا خليل هي فتاة مصرية في العشرينات من عمرها، وتسير في طريقها الريادي بنجاح كبير، وقد خطت خطوة مهمة في حياتها المهنية بعد أن تمت ترقيتها بشركة أمازون بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبحت Area Manager، لتصبح من أصغر من تولى هذا المنصب في عملاق التجارة الالكترونية في العالم..
وحصلت هنا على الانترناشيونال بكالوريا من المدرسة الأمريكية بمصر عام 2016 ثم تخرجت من جامعة كاليفورنيا ديفيس (UC DAVIS )، إحدى أكبر الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، وحصلت على شهادة البكالوريوس في تخصصين هما علم النفس وعلم الأمور المعرفية والإدراك، وتطبيقاتهم في الذكاء الاصطناعي.
وتم اختيارها للعمل من قبل شركة أمازون من ضمن برنامج طلبة الجامعات المميزين علميا، والذين يتمتعون بالصفات القيادية، وذلك للعمل كمديرين للمناطق وإدارة مراكز الإمداد والتوزيع، والتي تعمل من خلال الذكاء الاصطناعي، في مدينة دالاس بولاية تكساس.
وعملت أثناء الدراسة في الإدارات التعليمية لولاية كاليفورنيا، وترأست أسرة الفتيات العرب بالجامعة، وشاركت في الأنشطة الخاصة بالتبرعات والمساعدات لشئون اللاجئين.
وتشارك هنا خليل في برنامج شباب المصريين المهاجرين والدارسين بالخارج التابع لوزارة الهجرة، للإطلاع والاستفادة والمساعدة، وتقديم الدعم في أهم التحديات التي تواجه بلدها مصر، وتوصيل المعلومات الصحيحة للخارج، وتقريب وجهات النظر وتوضيح بعض الأمور من وجهة نظر مصرية خالصة.
ونظرا لتفوقها خلال عامها الأول في جامعة كاليفورنيا، تمت دعوتها للانضمام إلى الجمعية الوطنية لعلماء الكليات، وانضمت أيضًا إلى جمعية Empowered Arab Sisterhood في عام 2016 ، وتولت منصب رئيس الجمعية بعد عام واحد، وكان هذا دافعا للطالبات العربيات إلى تعريف مجتمعاتهن عن المرأة العربية في الولايات المتحدة.
وفي 2018 عملت في Davis Joint Unified School District، حيث كانت مهامها تتمثل في تنفيذ خطط دروس جماعية صغيرة تتناسب مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، ومراقبة الواجبات والامتحانات الممنوحة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل منفصل، ومساعدة المعلمين في الفصول الدراسية في الإشراف على الطلاب أثناء مهام الفصل الدراسي، وعملت بشكل فردي مع الطلاب في برامج الموارد للإعاقات التعليمية، بجانب مهمة تحفيز وتشجيع السلوكيات الإيجابية من خلال التعزيز والمكافأة.
وفي 2019 عادت إلى مصر وعملت في إحدى الشركات، حيث كانت تقوم بإجراء أبحاث السوق وتحليل المحتوى لبعض الشركات، ثم عادت إلى أمريكا للتدريب في شركة Bright Horizons، وهي متخصصة في تقديم التعليم ورعاية الأطفال في جميع أنحاء العالم، ثم التحقت بأمازون.
وصرحت هنا خليل بأن مهمتها منذ أن انتقلت إلى الولايات المتحدة هي أن تجعل شعبها فخورا بها، وتمثلهم بشكل مشرف في الخارج، كما أنها أكدت على فخرها بأن تكون نموذجا للمرأة المصرية التي تنجح وتزدهر، وترى أن العمل الشاق الذي تقوم به يؤتي بثماره.
مبرمج الشركات الكبرى
يعتبر أحمد علي نموذجا للشاب المصري المكافح، استطاع أن يعمل في كبرى الشركات التكنولوجية بالخارج، فأثناء دراسته بكلية الهندسة لم يكن مقررا العمل بشركة كبرى، فقد كان حلما وطموحا بالنسبة له، فقد كان معيدا بكلية هندسة القاهرة قسم حاسبات، وكان يجهز نفسه لاستكمال مشواره بالسلك الأكاديمي، وحصل على دورات تمهيدي ماجستير، وفي نفس الوقت كان لديه الوقت ليقوم بأشياء بجانب العمل كمعيد، فكان ينافس في موقع Online في مسابقات برمجية، وكان موفقا فيها، وكسب أكثر من مسابقة، وبعدها عمل أحد الأصدقاء بمايكروسوفت بأمريكا، وأرسل إليه يخبره بأن الشركة تجهز لحدث كبير بتركيا، وتريد تعيين كثيرين، وسافر بالفعل وتم قبوله، وكانت بداية مشواره، انتقل علي بعد ذلك من العمل في مايكروسوفت إلى جوجل، ثم Meta، وحاليا يعمل مهندس سوفت وير في أمازون.
قصة نجاح معماري مصري
المصريون يستطيعون كتابة قصص نجاح في العديد من المجالات، ومنهم المهندس المعماري معاذ أبو زيد، والذي ترك بصماته المعمارية في كل مكان عمل به، وحصل على العديد من الجوائز من خلال مشاريعه المميزة، والتي يعمل من خلالها على حل العديد من المشاكل، ولا يقتصر عمله على المشاريع التجارية، ولكنه يسعى إلى تنفيذ مشاريع ريادية مجتمعية، ومنها تجربته في قرية صغيرة قام بتصميم مشروع مركز مجتمعي للسكان.
ففي 2005 جاءته فرصة عمل في قطر، ولكنه شعر بأن هذه الفرصة ليست الفرصة التي ترك مصر من أجلها، وكان والده يعمل في دبي فسافر إلى هناك، ووجد فرصة عمل بقى فيها سنة، وعاد إلى مصر فترة ثم عاد إلى دبي، واكتسب خبرات مختلفة في مكاتب محلية.
ثم قدم للعمل في مكتب أمريكي ووافقوا على انضمامه، وكانت بداية التحول الذي حدث له، وعمل بعدها في شركات إنجليزية.
حصل أبو زيد على جائزة Middle East Architect Award في 2016، ثم بدأ يفكر في أن يكون لديه أستوديو خاص به، وبدأ العمل على المسابقات والأفكار التي تساعد على حل المشاكل في مصر، وفي 2018 مثّل مصر مع مهندسين آخرين في بينالي فينيسيا للعمارة، وكان التمثيل مشرفا، وحصلوا على الجائزة الأولى، وأطلق شركته في 2020.