«سيري، ما أحدث صيحات الموضة؟»، «سيري ما أكثر الأفلام مشاهدة؟» «سيري، ما الذي يحدث حول العالم؟»
بسيطة هي أسئلتنا ل«سيري»؛ تلك القوة الخارقة التي جعلت من الإجابات أقرب من ضغطة زر، لترافقنا في كل رحلاتنا الشخصية والعلمية، بحثاً عن أفضل السبل لنيل الراحة وإشباع حاجتنا للخمول والاسترخاء. في الحقيقة «سيري» هي نحن ونحن هم «سيري».
قد يبدو الموضوع معقداً للوهلة الأولى، لكننا لو تعمقنا في ذواتنا، لوجدنا علاقة أبوة تربطنا بكافة الأجهزة الذكية التي تحيط بنا، إنها تحصيلنا من المعرفة والبحث الإنساني مُجمعّاً في مكان واحد، مُنضداً ومرتباً حتى يسهل علينا توثيقه، والعودة إليه متى احتجنا من دون عناء أو مشقة.
مهلاً، دعوني أعرفكم على «سيري»؛ هي ليست شقراء أجنبية تُمسك بموسوعة وتُجيبك عن أسئلتك، حتى لو دل اسمها على الأنوثة، ليس لسيري أي جنس أو لون أو طائفة أو دين. «سيري» هي أحد الأمثلة الأولى عن الذكاء الاصطناعي، وتأثيره الرهيب في حياتنا.
ليس سحراً ولا شعوذة، إنها تقنيات علمية تسمح للآلات بالتفكير والتعلم الذاتي، عبر تدريبها ومنحها أكبر قدر ممكن من المعلومات والمعادلات الحسابية والمنطقية، وطرق التفكير وحل المسائل بطريقة معقدة. هل تحب أجهزتك الذكية التي تسمح لك بالتحكم في درجة حرارة غرفتك، أو تبث لك موسيقاك المفضلة عبر خاصية التعرف الصوتي من دون حاجة إلى كتابة طلبك؟ إنها واحدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على فرز الأصوات، وتحويلها إلى كلمات مفتاحية ثم تنفيذ ما طُلب منها، إنها مُسخّرة لخدمتك ومواجهة التحديات وحلها بطرق أذكى وأسرع.
في الصناعات مثلاً، الذكاء الاصطناعي يدفع الإنتاجية إلى القمة، ما يعني أن الآلات تشتغل من دون حاجة إلى مراقبة أو صيانة مستمرة، وبالتالي توفير الوقت والجهد. الذكاء الاصطناعي يعني تحديد المشاكل وحلها قبل أن تحدث بالنسبة للتجارة والتسوق، الذكاء الاصطناعي رفيقك المفضل يتوقع رغباتك، ويقترح عليك أشياء تهمك، يعني أن تتسوق من دون مجهود، وتحصل على أفضل تجربة تسوق من بيتك، بناء على معلوماتك وتجاربك الخاصة واهتماماتك.
هذا «السحر» العلمي، موجود في مجال النقل أيضاً، مثل السيارات الذكية والقطارات المتطورة، التي تضمن رحلات آمنة وممتعة من دون مشاكل، ومن دون حاجة إلى سائق. وبخصوص قطاع التعليم، فالذكاء الاصطناعي هو الأستاذ الجديد؛ حيث يساعد في تحسين العملية التربوية، وتوفير تجارب تعليمية ممتعة وشيقة عبر طرح المعلومات وتقديمها بطريقة سهلة، وشرح ما يصعبُ فهمه، وتقديم أمثلة وإجابات لأسئلتك، ويساعدك حتى على التحضير ذهنياً لامتحاناتك عبر نصائح مخصصة.
لا يجب أن نضيع في غياهب مخاوفنا من التطور التكنولوجي وبحر شاسع الأفق من المصطلحات المعقدة. دعونا نتصالح مع «سيري» ومع ما تمثله، بوصفها مفخرة لما وصلت إليه البحوث والاكتشافات على مر العصور التي سبقتنا؛ إذ يحمل هذا المصطلح بين طياته تاريخاً لن نُبسّطه بتفاصيله لثرائه؛ بل يمكنكم حتى أن تسألوا «سيري» من هي، وستجيبكم وتُشبع جوع عقول المستفسرين.
لقد استطاعت الآلة اليوم محاكاة العقل البشري، وسبر قدرته على التفكير والاكتشاف وغيرهما من الوظائف المعقدة، لتتمكن من حل أعقد المعضلات التي تواجهنا، عبر تحديد هوية من حولنا سواء بخاصية التعرف إلى الأصوات والصور وتحديد المواقع أو تحريك الآلات عن بُعد بكفاءة عالية الدقة.
يتضح مما سبق أن الذكاء الاصطناعي يتسلل أكثر فأكثر إلى حياتنا التي أصبحت بمنزلة فيلم خيال علمي من المستقبل. فكلنا رأى كيف تداولت صفحات التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية إطلاق شركة «أوبر» خدمات نقل الركاب جواً من مطار «جون إف كينيدي» وإليه في مدينة نيويورك، وشاهد بأحداق متّسعة خدمات شطائر ‹›ماكدونالدز›› التي أصبحت تستعمل ال «درونز» في توصيل الطلبات لوجهاتها، وغير ذلك الكثير، ما يضمن حياة عنوانها السرعة والكفاءة.
وفي حديثنا عن الطائرات دون طيار، تمكنت دولة الإمارات، والتي لطالما عرفت باهتمامها بالذكاء الاصطناعي ومجاراتها لآخر صيحات التكنولوجيا وسباقها الممتد مع الزمن، منذ سنوات من اختبار أول طائرة من دون طيار محلية الصنع، لتكون بذلك من أفضل المحلقين خارج سرب الخوف من النمو والتطور التكنولوجي، ومن أشد الداعمين للعقول المبدعة والفكر النيّر.
إن الحديث عن «أبطال الديجيتال» لم يعد مجرد وصف لمسلسل كرتوني مدته نصف ساعة نتجاوزه وننام بعد ذلك على أريكتنا حالمين به، فالأبطال أضحوا بيننا اليوم منتجين وصانعين ومغيرين للواقع، وحالمين بمستقبل مملوء بتطورات تكنولوجية منطلقُها ومنتهاها ذلك العقل البشري الصغير.
كاتبة تونسية وخبيرة في الإعلام الرقمي