أحمد أبو علي يكتب: المنصات الافتراضية والاستثمار العقاري.. حتى لا نتخلف عن القطاع الأكثر ربحية وتنافسية!
يمثل شراء العقارات أكبر معاملة مالية شخصية في حياة الكثيرين، ممن يفضلون ذلك النمط من الاستثمارات، ولذلك، فإن البحث عن العقار المناسب والأعلى قيمة استثمارية هي عملية تحتاج إلى قدر كبير من التفكير والبحث المتأني، بل قد يصل الأمر إلى حد الارتباك أو القلق أحياناً!
ولا يتوقف الأمر عند المشترين، بل يشكل هذا عبئاً على سوق العقارات في مجمله بشكل عام، حيث أن الأساليب التقليدية في عمليات البحث والبيع والشراء في سوق العقارات أصبحت مصدرا للإحباط لكافة المتعاملين في السوق العقاري المصري اليوم، نظرا لتقليدية آلياته والأساليب المتبعة من كافة أطراف المعادلة العقارية، ونظرا لعدم حداثتها وتطورها بما يتماشى مع التغيرات التي أصبحت تحدث في سوق العقارات الآن محليا وعالميا.
وتعد منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا واحدة من أقوى أسواق العقارات عالميا، وتحديدا السكنية منها، حيث تزيد قيمة السوق عن 20 تريليون دولار أمريكي، ومع ذلك، فقد أثّرت في السوق القوائم المكررة والمزيفة للعقارات، إلى جانب بيانات التسعير غير الموثوقة أو التسعيرات التقديرية، والتي تخفض من القيمة الحقيقية للعقار المسوق له بيعيا، كما لعب انتشار جائحة كورونا دوراً في تسريع الحاجة إلى اتخاذ قرارات حياتية مهمة، مثل الاستثمار في شراء العقارات من خلال التقنيات الرقمية الحديثة، والتي تسهل من اتخاذ قرارات الاستثمار، نظراً لسهولتها وقدرتهم على القيام بذلك من أي مكان وفي أي وقت.
فعلي سبيل المثال، شهد القطاع العقاري في دبي انتعاشاً كبيراً خلال العام الماضي والحالي بسبب تراجع جائحة كورونا (كوفيد-19)، مع زيادة الاهتمام بالعقارات الاستثمارية من المشترين الدوليين من خارج دولة الإمارات وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة.
حيث شهد عام 2021 ما يزيد عن 41 مليار دولار من مبيعات العقارات، وهي أعلى قيمة في 12 عاماً، حيث بدأت منصات العقار الرقمية الجديدة بالظهور في كل مكان تقريبا داخل دولة الإمارات، وتم اعتمادها كأحدث وأسرع الآليات التسويقية للعقارات بها، وتعمل هذه المنصات كدليل استرشادي وتوجيهي لبائعي ووسطاء العقار، حيث يتم عرض العقارات للبيع أو الإيجار عليها، ما يمنح المشترين فرصة العثور على عقار يلائم أوضاعهم المالية دون الحاجة للتعامل مع أي شخص وجهاً لوجه.
ومن ناحيه أخرى، وفي زاوية أكثر تقدما، مكّن إطلاق خدمة القوائم المتعددة، والتي تعد الحل الإلكتروني الذي أحدث ثورة في أسواق العقارات في جميع أنحاء العالم، بقيادة شركات مثل “زيلو” (Zillow) في الولايات المتحدة و “نوماد هومز” في دبي، وسطاء وبائعي العقار من إدراج عقاراتهم بعد توثيق سعرها، ما يمنح المشترين الثقة والشفافية المطلوبة لشراء مسكنهم التالي.
وخدمة القوائم المتعددة عبارة عن منصات رقمية مصممة لتبسيط شراء وتأجير المساكن، وذلك بالتركيز على المشتري بدلا من التركيز على البائعين، ما يعني أن استخدام التكنولوجيا الرقمية على شكل القوائم المتعددة وفر حلاً شاملاً لمشتري المنازل، وذلك بإزالة الحاجة إلى نقاط الاتصال المتعددة وعمليات البحث التي تستغرق وقتاً طويلاً بين أطراف قرار الشراء، وتعرف هذه المنصات باسم التقنية العقارية “بروبتيك” (PropTech)، حيث أسهمت تلك المنصات في أن يصبح شراء عقار اليوم معاملة مالية تتم باستخدام التكنولوجيا الرقمية بشكل أسرع وأسهل دون أي تدخل بشري.
وتقدم منصات خدمات القوائم المتعددة خيارات متعددة لمن يتطلعون إلى شراء أو استئجار عقار، ومن ثم مطابقتها مع العقارات التي يبحثون عنها، كما تشمل الخدمة أيضاً مستشاراً شخصياً مخصصاً يظل بمثابة نقطة اتصال واحدة للمشتري أو المستأجر طوال العملية، والاتصال بوسطاء العقارات وأصحاب العقارات المعروضة للبيع نيابة عن المشترين والمستأجرين، ومساعدتهم في رحلة البحث عن العقار الذي يرغبون في شرائه، بدءاً من عملية الاختيار حتى استلام المفاتيح، حيث يقوم المشترون بملء استبيان على منصات خدمة القوائم المتعددة حول ما يتطلعون إليه، بما في ذلك الموقع المفضل، والسعر المناسب، والمساحة، وما إذا كانوا يفضلون الدفع نقداً أو الحصول على قرض تمويل عقاري من المؤسسات المصرفية أو المؤسسات المالية غير المصرفية.
وتقوم منصات الخدمات الرقمية القائمة على الذكاء الاصطناعي على عادات بحث المشترين، وتختار العقارات المناسبة لهم، مع الأخذ بعين الاعتبار تقاربها تجاه السعر المرغوب وغير ذلك من العوامل، ثم توفر لهم خيارات للاختيار من بينها، كما تقوم بتحديث القائمة باستمرار حتى يتمكن العميل من العثور على مسكنه المفضل وشرائه بسرعة، ويوفر ذلك الوقت والجهد، ويمكّن العملاء من اتخاذ قراراتهم بدراية دون الوقوع في متاهة الأرقام والمعلومات المضللة عند البحث لشراء عقار من مكان آخر.
ولن نكون مبالغين في مدى تأثير خدمات المنصات الرقمية ومنصات الواقع الافتراضي فيما تقدمه من حلول شاملة لها تأثير قوي على صناعة العقار في المنطقة خلال الفتره القادمة، عبر توفير سوق للمعاملات يشتمل على كافة عناصر عملية شراء واستجار العقارات في مكان واحد، بما في ذلك قوائم البحث والوسطاء العقاريين ومقدمي خدمات الرهن العقاري وأكثر، لذا فإن ذلك يحتم علينا داخل السوق المصري سرعه الاستجابة والتكيف مع تلك المتغيرات، ومحاولة الاستفاده منها بشكل أسرع، كما أن تلك المنصات بلا شك ستعزز من ثقة المستثمرين والمشترين في سوق العقارات محليا.
وفي النهاية، فإن الحلول القائمة على التكنولوجيا لتسريع المعاملات العقارية ليست حلولاً مستقبلية فحسب، بل هي الواقع الحالي الذي نعيشه اليوم، ونتيجة لذلك، شقّت المنصات الرائدة الطريق ومهّدت الساحة لسلسلة من الاستثمارات الجديدة، داخل قطاع يعتبر الأكثر ربحية وتنافسية، وهو القطاع العقاري، إقليميا ودوليا.
تحليل كتبه: أحمد أبو علي
الباحث الاقتصادي