Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

هل ضلّت بوصلة الاستثمارات المحلية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؟

تصدر قطاع الاتصالات والتكنولوجيا قائمة الاستثمار عالميا خلال الـ 10 سنوات الماضية، ليكون القطاع الأفضل أداءً على الإطلاق وتحتل شركاته قائمة الأكبر على مستوى العالم، إلا أن اتجاه الاستثمار بالقطاع في السوق المصري أخذ منحى آخر بسبب غياب رؤوس الأموال الكبيرة من الاستثمار في القطاع سواء من “المليارديرات المصريين” والمصنفين دوليا، أو حتى من صناديق استثمارية كبرى.

والنتيجة تواجد العديد من الشركات العالمية في السوق المصري التي تحقق أرباحا وتستحوذ على معظم أعمال مشروعات التحول الرقمي وغيرها، وتمثيل مشرف لبعض الشركات المصرية التي لا تملك القدرة على المنافسة أو تتمتع بالملائة المالية أو الفنية القادرة، باستثناء عدد محدود جدا من الشركات، ومن المستحيل أن يحظى اقتصاد دولة ما باهتمام عالمي إذا لم تتقاطع أهدافه وخططه مع قطاع التكنولوجيا الذي سيطر على جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وأثبتت جائحة كورونا أن هذه المعادلة يجب تغييرها على الفور في السوق المصري، حيث مثلت شركات الاتصالات والتكنولوجيا “جانب اليقين” في فترة الضعف الاقتصادي التي مرت بها الأسواق، حيث حقيقة وحيدة تشير إلى أن النمو المستدام والنهوض باقتصاديات الدول لن يتحقق دون الاستثمار في التكنولوجيا في ظل التحول الرقمي الذي يجتاح معظم القطاعات المهمة حول العالم للتغلب على العقبات التي تحد من النمو الاقتصادي لضمان استدامة الاقتصاد في عصر الثورة الصناعية الرابعة.

وأصبح احتلال قطاع التكنولوجيا قائمة الاستثمارات العالمية مسألة بديهية، خاصة مع النمو السريع الذي حققته شركات التكنولوجيا الأميركية مثل فيسبوك ومايكروسوفت، وجوجل وأمازون، وهي الشركات التي هيمنت على العناوين المالية الرئيسية وأسواق الأسهم العالمية.

ويصبح السؤال الأهم.. لماذا تغيب الاستثمارات المحلية القوية في الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؟ والتي يمكن أن تحدث طفرة سواء في إنشاء شركات كبري قوية، أو حتى الاستحواذ على شركات صغيرة واعدة ومنحها القوة اللازمة لتعظيم حجم أعمالها ومحفظتها الاستثمارية للمنافسة محليا ودوليا.

عقيل بشير
عقيل بشير

الاستثمار المحلي في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا لم يكن ضعيفًا منذ بدايته، وفقا للمهندس عقيل بشير رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للاتصالات الأسبق، والذي يرى أن فرص الاستثمار في القطاع كانت كبيرة وواعدة جدا وهو ما تؤكده النجاحات التي حققها رجال الأعمال المصريين في هذا المجال وعلى رأسهم الراحل محمد نصير والذي استثمر في فودافون، وأيضا المهندس نجيب ساويرس المستثمر الأكبر في موبينيل والتي تحولت إلى أورنج، وهم حاليا من الشركات الكبرى في السوق.

وأشار إلى أن “المخاطرة” هي السمة الرئيسية للاستثمار في هذا القطاع، وهي طبيعة ليست من سمات معظم رجال الأعمال المصرين أو حتى مديري الاستثمار، فنجيب ساويرس ومحمد نصير خاطروا بأموالهم في بداية ظهور المحمول، وكانت مخاطرة كبيرة بكل المقاييس الدولية بسبب توقعات نمو الموبايل المحدودة، حتى أن أكبر المؤسسات الدولية في الأبحاث وقتها وهي ماكينزي توقعت أن عام 2000 سيصل عدد المشتركين في المحمول في العالم كله 100 مليون مشترك على أقصى تقدير! إلا أن الواقع خالف توقعاتهم ووصل مليار مشترك.

من جانبه قال خالد شريف المستشار السابق لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من القطاعات التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة جدًا، والعائد منها يتحقق بعد وقت طويل، وهي صفة أساسية في هذا القطاع، وبطبيعة الحال تجعل المستثمرين المصريين يترددون قبل الدخول إلى هذا القطاع للاستثمار فيه مقابل الاستثمار في قطاعات أخرى أسرع بنظرية الفرصة البديلة.

الدكتور خالد شريف

وأشار إلى أن حجم الاستثمار المحلي في القطاع يستحوذ على النصيب الأكبر منه الشركة المصرية للاتصالات وهي مشغل محلي، وليس هناك استثمارات كبيرة في القطاع الخاص باستثناء شركات مثل راية ونور وهما شركتين محليتين، محليين ولكنهم ليسوا ضخمين بحجم الشركات الكبرى، لافتا إلى أن النجاحات داخل القطاع كانت منذ 20 عاماً حيث كان العائد على الاستثمار مرتفع جدًا، وكذلك نسبة الأرباح قبل خصم الضرائب والإهلاك كانت تصل 50%، بعكس الوقت الحالي لا تتجاوز 30%، لذلك لم يعد الوضع حاليا مجزي مقارنة بالسابق.

ووفقًا لدراسات عدد من بنوك الاستثمار، فإن الاستثمارات المحلية في الاقتصاد الرقمي في العالم العربي ومنها مصر أقل من الهند بـ10 أضعاف، وأضعف من الصين بـ15 مرة، وتزداد الفجوة اتساعًا وعمقًا عند مقارنتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسبقها بـ200 ضعف.

وأشارت إلى أنه على الرغم من وجود بعض الشركات الناشئة فإنها عاجزة عن سد هذه الفجوة التي لا تحتاج سوى إلى اهتمام الحكومة بالخطط الاستراتيجية لإعداد موازنات مالية قادرة على دعم الشركات الناشئة، مشيرين إلى أن الفرصة حاليا هي المناسبة في السوق المصري، مع طرح العديد من المشروعات التكنولوجية التي تستهدف التحول الرقمي الكامل، وأيضا ظهور جيل جديد من الشركات التقنية التي حققت نجاحات كبرى خلال الفترة الماضية وتنتمي للقطاع الخاص وعلى رأسها شركة فوري التي استطاعت اجتذاب الاستثمارات الأجنبية للسوق المصري الذي يتمتع مستهلكيه بقوة شرائية عالية من شأنها أن تزيد أرباح الشركات المستثمرة وتدفع بهم إلى مراتب منافسة.

فرغم هذا التحول والفرص فإن الشركات الناشئة في قطاع تكنولوجيا المعلومات تلقت خلال العام الماضي استثمارات من صناديق الاستثمار ورأسمال المخاطر بلغت قيمتها 65 مليون دولار فقط.

نحتاج لتدابير كاملة وليس رأس المال الاستثماري لتشجيع الاستثمار في القطاع، وفقا لهذه الدراسات والتي تشير إلى أن مقومات بناء قطاع تنافسي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على المستوى المحلي يجب أن تتمثل في البنية الأساسية، ونوعية المؤسسات، والابتكار، والاستثمار.

ولفتت إلى أن الاستثمار المحلي في القطاع يجب أن يركز على تعزيز قدرته على التنافس عن طريق الابتكار، وهو يتضمن رواد أعمال وشركات كبيرة وصغيرة، وأصحاب رؤوس أموال استثمارية، وممولي مشاريع ناشئة، وأيضا وسطاء حكوميين، وأما الاستثمار فلا بد لتعزيزه من توفر بيئة تمكينية ومعرفة كبيرة بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ووفقا لخالد شريف فإن السياسات الاستثمارية الحاكمة للقطاع يجب أن تتغير بحيث لا يقتصر الاستثمار في قطاع الاتصالات على رجال الأعمال، مشيرا إلى أنه يجب أن يفتح الاستثمار لقطاع عريض من الشعب عبر الطرح في البورصة، فدولة مثل السعودية تجبر الشركات على طرح نسبة منها في البورصة، لذا يجب تعديل قانون الاستثمار أو الشركات، على أن يكون هناك نص بأن تدرج شركات الاتصالات في البورصة بنسبة لا تقل عن 30%، وهو ما يحقق رقابة أوسع على أداء الشركات تكاد تكون شبه الرقابة الشعبية، ليس فقط الأداء المالي ولكن الأداء التشغيلي.

وأشار إلى أنه يجب على الدولة المصرية أن تسعى لتعزيز كافة أنماط التمويل وآلياته وتشمل تمويل الديون، وإنشاء أسواق رأس مال أولية وثانوية، إلى جانب تفعيل دور القطاع المصرفي وإنشاء شبكات لممولي المشاريع الناشئة وبرامج دعم حكومية.

وأكد عقيل بشير على أن السياسات الاستثمارية الحاكمة للقطاع في الوقت الحالي يجب أن تتطور بما يتواكب مع تطور المجال يوميا في العالم، مشيرا إلى أنه يعتقد أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على دراية ومتابعة قوية لما يجري في العالم وتأثيره علينا، وإذا كان هناك من تطورات تستدعي التغيير في التشريعات فهم قادرون على تعديلها.

نجيب ساويرس

تجربة نجيب ساويرس “نقطة دراسة” لشكل مستقبل الاستثمار المحلي في القطاع، فالرجل الأهم في حلقة القطاع على المستوى الدولي باعتباره من الأيقونات المعبرة عن الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قرر التخارج من الاستثمار في قطاع الاتصالات المصري، مشيرا إلى أن القطاع وصل إلى قمته بعد احتكار عدد محدود من الشركات، وأشار إلى أنه تعرض لبعض المشكلات للاستثمار في القطاع وعلى رأسها استثماراته في كابل مينا البحري.

وكان ساويرس قد باع حصته في شركة موبينيل للاتصالات إلى شركة أورنج الفرنسية منذ نحو ثلاث سنوات، وباع شركة مينا للكوابل في 2018 للشركة المصرية للاتصالات.

وأكد ساويرس، في تصريحات صحفية، أن العودة إلى امتلاك شركة للاتصالات أمر مستبعد، موضحًا أن القطاع أصبح يواجه تحديات كبيرة.

وفقا لعقيل بشير، فإن نجيب ساويرس خرج من السوق مضطرًا بحسب الاتفاق مع شركة فرانس تيليكوم الذي منح الأخيرة التقدم بعرض شراء اجباري واستغلوا هذا في الاتفاق بينهم واستحوذوا على كامل الشركة، لافتا إلى أن نجيب من الِشخصيات التي تحب أن يكون لها حصة حاكمة في الشركات التي يستثمر فيها وهو نفس الأمر ينطبق على المستثمرين الكبار حينما تنسحب منهم الحصة الحاكمة يقررون الخروج تمامًا من الشراكة.

نجيب ساويرس دخل القطاع في أوج مجده، وخرج في نقطة القمة قبل أن ينحسر، وفقا لخالد شريف، الذي أشار إلى أن ساويرس هو في الأساس رجل أعمال وليس رجل تكنولوجيا، لذلك دخل الميديا والاستثمار الزراعي والحيواني، ومؤخرًا للعقارات، فهو يذهب للعائد الأعلى، نجيب ليس رجل تكنولوجيا برغم أنه ينسب له إنشاء جزء كبير من قطاع الاتصالات في مصر، واستطاعت شركته (موبينيل) حينما اشترت رخصة المصرية للاتصالات أن تغير مفاهيم قطاع الاتصالات.

ولفت إلى أن تخارجه ليس دليل على ضعف فرص الاستثمار في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بشكل عام، حيث تتواجد فرص استثمارية كبرى في العديد من المجالات بالقطاع وعلى رأسها شركات التكنولوجيا المالية، والعديد من الشركات الناشئة.

الدكتورة هالة السعيد

وتستهدف الدولة زيادة الاستثمارات في القطاع خلال العام المالي 20/2021، وفقا للدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والتي أكدت على زيادة استثمارات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 300%.

وفي هذا الإطار أشارت الوزيرة إلى الأهمية الاقتصادية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حيث يلعب القطاع دورًا أساسيًا في تسريع عجلة النمو الاقتصادي بما يُوفّره من وسائل معرفة ومعلومات حديثة تكون مُحفّزة للاستثمار وداعمة للقرارات الاقتصادية والاجتماعية.

وأضافت، أن أهمية هذا القطاع وفاعليته تستند على أربعة ركائز أساسية، يتعلق أوّلها بتطوير نُظُم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وثانيها بتعميق الصناعة التكنولوجية، أي بناء صناعة قوية تعتمد على التقنيّات الحديثة، وثالثها بناء أجيال من الشباب قادرة على اكتساب الـمعارف والتعامل والتكيّف مع تقنيّات العصر الحديث وتطويعها لأغراض التنمية الـمُستدامة، ورابعها تنمية القدرة التصديرية للقطاع من خدمات التعهيد والـمُنتجات الإلكترونية والاستشارات المعنيّة بتقنية المعلومات.

وأضافت السعيد، أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حقق إنجازات كبيرة منذ أن تبنى الـمشروع القومي للنهضة التكنولوجية لتسريع انتقال مصر إلى مجتمع الـمعلومات، مما أسفر عن تزايُد مطرد في مساهمته في النمو الاقتصادي ليصل إلى نحو 12٪، لافتة إلى أن استثمارات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا الـمعلومات تُقدّر بنحو 31.6 مليار جنيه في خطة عام 20/2021، بنسبة 4,3٪ من إجمالي استثمارات الخطة.

ولفتت الوزيرة إلى أن خطة عام 20/2021 تتوقع زيادة إنتاج القطاع وناتجه بنسبة 26٪ (بالأسعار الجارية)، و16٪ (بالأسعار الثابتة) وترتفع مساهمة القطاع في النمو إلى 16.4٪ عام 20/2021، كما يتوقع أن تتحسن مؤشرات أداء القطاع بصورة ملحوظة في عام الخطة، سواء في مجال تطوير نظم الاتصالات أو تعميق الصناعة الـمحلية أو تنمية صادرات القطاع.

وأكد خالد شريف على ضرورة أن تتوجه هذه الاستثمارات للتنمية وليس الربحية في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن العكس قد يكون سبب بطء فرص نمو القطاع مقارنة بالأسواق الأخرى، قطاع الاتصالات ليس منشئ للتكنولوجيا ولكنه مستخدم لها من الشركات التي تصنعها مثل هواوي وإريكسون وغيرهم، ونسبة الإبداع والتطوير فيه ليس مرتفعة، وقد يقود قطاع الاتصالات صناعة الإلكترونيات لتحديث الأجهزة لكنه في النهاية يظل قطاع خدمي.

ولفت عقيل بشير إلى هذه المخططات جيدة جدا، لكن صناعة شركات ذات ثقل في مجال الاتصالات تحتاج إلى وقت كبير بسبب ثقة المستهلكين البطيئة، وهنا أتذكر أن الشركة المصرية للاتصالات وافقت على دمج منظومة فوري كوسيلة لسداد فواتير المصرية للاتصالات في الألفينات بسبب ثقتنا في سمعة القائمين على الشركة، والحقيقة أن الجميع استفاد من هذه الخطوة، ما أدى إلى ظهور شركات أخرى منافسة تقدم خدمات شبيهة ولها حصص سوقية جيدة.

وأشار إلى أنه يجب على الاستثمارات المحلية المستهدفة أن تركز على الاستثمار في المجالات الناشئة كخدمات التكنولوجيا المالية والتأمين وخدمات الداتا، لأن الاستثمار في قطاع المحمول لا يحتمل دخول رجال أعمال أو شركات جديدة للسوق.