شهدت مصر في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في عدد الشركات الناشئة، خاصة تلك القائمة على تكنولوجيا المعلومات، إلا أن قليلاً من هذه الشركات استطاع تحقيق نجاح تجاري ملحوظ، من حيث القدرة على اختراق الأسواق المحلية والعالمية، وتسجيل معدلات مرتفعة من الإيرادات والأرباح.
عالمياً، توضح الإحصاءات أن 72% من المنتجات المبتكرة تفشل في تحقيق أهدافها التجارية، أما في مصر، فتشير الإحصائيات إلى أن 10% من الشركات الناشئة فقط استطاعت النجاح والإستمرار، ما يعني أن التكنولوجيا وحدها غير كافية لتحقيق النجاح.
والواقع أن الكثير من الشركات المصرية الناشئة نجحت بالفعل في تقديم منتجات ذات تقنية عالية، إلا أنها أخفقت رغم ذلك في تحقيق النجاح المطلوب تجاريا، لإغفال القائمين عليها الاهتمام بالإبداع التجاري، الذي يعني أساسا بدراسة احتياجات السوق وتطوير منتجات ملائمة لمتطلبات العملاء، ما ترتب عليه فشل منتجاتها في الاستمرار.
من ثم يجب النظر إلى الإبداع والابتكار بشكل أشمل، بحيث يقاس نجاح الإبداع بقدرته على إيجاد حلول عملية لأهم التحديات التي تواجه الأفراد والشركات في القطاعات المختلفة، ويتسع ذلك ليشمل الابتكار على مستوى تطوير المنتجات والخدمات وكذلك نماذج وطرق العمل.
من المؤكد أن التكنولوجيا عنصر هام في منظومة الابتكار ، لكنها بالطبع ليست العنصر الوحيد لضمان النجاح، فأحد أهم العناصر التي يجب التركيز عليها لنجاح منظومة الإبداع في الشركات الناشئة يتمثل في الإبداع التجاري، وصياغة استراتيحية تضمن النجاح والتميز في سوق تنافسية، عبر التحديد الدقيق للقيمة المادية والمعنوية لمنتجاتها وأهميتها للعملاء المستهدفين، وكيفية تحويل هذه القيمة إلى ميزة تنافسية مستدامة بإقرار سياسات تسعير فعالة تعزز تنافسية منتجاتها وتسويقها بنجاح.
وأحد أهم ضمانات التميز التجاري هو النظر إلى التكنولوجيا كأداة لتحقيق معدلات أعلى من الإيرادات والربحية، وليس كعنصر تكلفة، ووفقا لدراسات عديدة فإن 93% من استثمارات الشركات في تطبيقات تكنولوجيا المعلومات يتم التخطيط لها بمنظور تطوير منظومة العمل أو خفض التكلفة، وليس كأداة أو وسيلة لتحقيق معدلات أعلى من النمو في الإيرادات.
وثمة فرص واسعة يوفرها استخدام التكنولوجيا لتحقيق التميز التجاري من خلال فهم القيمة والميزة التنافسية للمنتج وتحويلها لنموذج أعمال مربح.
وتزداد أهمية ذلك في ظل الاقتصاد الرقمي، الذي أتاح للعديد من الشركات إضافة منتجات وخدمات مستحدثة خارج قائمة منتجاتها التقليدية، ومكنها من ابتكار نماذج للأعمال غير التقليدية، كما هو الحال في شركات النقل والمعدات، التي نجحت في تطوير نماذج مبتكرة للخدمة بتزويد ناقلاتها بتقنية تحديد المواقع العالمي GPS لتحديد الرسوم طبقاً لعدد الأميال، ما يعد حالياً أهم مصادر الدخل لهذه الشركات التي كان أغلب نشاطها قبل 10 سنوات يعتمد على بيع المعدات كمصدر أساسي للربح. ويشير ذلك إلى حجم ما يمثله الإبداع التجاري من أهمية قصوى في المرحلةالمقبلة بما يتعين معه التركيز عليه والاهتمام به إلى الإبداع التكنولوجي لتحقيق النجاح في منظومة الإبداع والإبتكار محليا وعالميا.
تحليل كتبته: مها رشاد
مدير عام «سيمون كوتشنر أند بارتنرز» والرئيس التنفيذي السابق لهيئة إيتيدا