Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

محمود داوود يكتب: التكنولوجيا العقارية.. طفرة في مسيرة الشركات الناشئة بالقطاع العقاري

يقول تشارلز داروين: ليست أقوى الأنواع هي التي تبقى في صراع الحياة، ولا أكثرها ذكاءً، بل أكثرها قدرة على التكيف مع التغيير.

لذلك فإن طبيعة الحياة بشكل عام، والاقتصاد على وجه التحديد، تستلزم توافر قدرا كبيرا من القدرة على مجابهة التحديات بالتأقلم والتغير والتطوير المستمر بما يؤهلنا لمواكبتها وتحقيق أقصى الفرص منها.

كما هو حال أي قطاع اقتصادي غزته التكنولوجيا، وأثرت فيه وتأثرت به، لم يستطع القطاع العقاري في مصر حتى الآن أن يواكب التطور التكنولوجي الحادث، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءً لا يتجزأ من حياتنا اليومية أكثر من أي وقت مضى، وما هي إلا مسألة وقت فقط قبل أن تتأثر الصناعات التقليدية مثل الصناعة العقارية.

ويواصل التحول الرقمي تغيير الاقتصادات والأسواق على حد سواء، ما يدفع الشركات والأعمال للتجديد حتى تحافظ على أهميتها في السوق.

وخلال الفترة الأخيرة، أصبح جليا أثر الرقمنة وأهميتها، وبدأت في الظهور على قطاعات اقتصادية عديدة، إلا أن القطاع العقاري بدأ تحوله خلال فترة جائحة كورونا، وتسارعت وتيرته حالما أدركت معظم الشركات قيمة التكنولوجيا العقارية وفوائدها الجمة.

إن التساؤل الذي يجول في خاطر كل من يعملون بالقطاع العقاري هو: كيف سيستفيد القطاع العقاري من التكنولوجيا؟ وكيف تستخدم التكنولوجيا الصناعة العقارية؟

ولعل تلك التساؤلات تستدعي التعريف أولا بمفهوم التكنولوجيا العقارية، وتُعرّف فوربس التكنولوجيا العقارية على أنها “استخدام الشركات للتكنولوجيا بهدف تجديد وتحسين طرق الشراء والإيجار والبيع والتصميم والإنشاء وإدارة العقارات السكنية والتجارية.”، وبتعبير بسيط، فإن التكنولوجيا العقارية تعني استخدام التكنولوجيا في الصناعة العقارية.

وبدأت التقنيات الافتراضية في العقارات تسيطر ببطء على السوق العقاري منذ ظهورها عالميا، إلا أنها في الفترة الأخيرة انتشرت بقوة وخاصة في دبي، ومازال القطاع العقاري في مصر بعيد تماما عن ذلك، ولعل هذا التأخر يرجع لأمور عديدة، لعل من أهمها غياب الوعي لدى أبناء الصناعة العقارية داخل مصر أنفسهم، سواء مستثمرين أو العاملين أنفسهم!

فتقنيات التكنولوجيا العقارية تمكّن المطورين العقاريين من عرض عقاراتهم التي لم تُبنَ بعد أو التي ما زالت تحت الإنشاء، بعد أن كانت المنشورات المطبوعة تُستخدم مع الرسوم الممثِلة للعقار لهذا الغرض، والآن، يمكن للعملاء رؤية العقار، وأخذ فكرة جيدة عنه افتراضياً، ما يساعدهم في اتخاذ القرارات بشكل أسرع.

من ناحية أخرى، فإن من مميزات الاعتماد على التكنولوجيا العقارية هو التحكم في الوصول الذكي، حيث حلول التكنولوجيا العقارية، مثل أنظمة تحكم الوصول دون اللمسية، وطرق الأقفال الذكية، وأنظمة الأمان الذكي، ما يسهم في تقليل الحاجة للتعامل الشخصي وجهاً لوجه، وفي نفس الوقت، تمكّن العميل من إدارة هذه الجوانب عبر جهاز رقمي.

ولعل ما سبق يؤكد أن النظر للتكنولوجيا العقارية كتهديد أمر غير مقبول، حيث يجب أن يفكر القائمون على الصناعة ملياً بالأثر الذي يُرجَح أن تجلبه هذه التكنولوجيا، وأن تتبنى التحول الرقمي لمواكبة التطور الواقع ومواصلة جذب العملاء، ومع تطور البيئة العقارية، ستصبح متطلبات العملاء من المزايا التكنولوجية والمرونة هي المعيار الجديد في السوق.

وعلى مدار عقود عديدة، ارتبط القطاع العقاري بأذهان الجميع باعتباره مقاوماً لأي نوع من أنواع الابتكار التكنولوجي، لكن ربما كان ذلك في الماضي، ففي ظل الثوره المعلوماتية التي يشهدها العالم، فإن أمران اثنان غيّرا وجه القطاع بشكل جلي: الأول يكمن في انفجار فقاعة الرهن العقاري في أواخر 2007، الذي تسبب بأزمة مالية عصفت بالعالم كله، فتلك الأزمة زعزعت القناعة بأن السوق العقاري لا يمكن أن يخسر قيمته، والأمر الثاني يتجلّى في تحوّل عادات المستهلك وتوقّعاته ضمن القطاع، وكنّا قد تطرقنا لهذا الأمر من قبل في منشور سابق.

ولا شكّ أن هذان العاملان معاً قد دفعا الصناعة العقارية للتخلّص من حالة الخمول المعتادة، منعكسا على تحقيق مزيد من القيمة للأصول والعمليات الجارية في السوق العقاري حول العالم.

وفيما يلي عرض لأهم المصادر التقنية التي خلقت ميزة تنافسية للقطاع، والتي حفزته على تدشين عهد جديد مع عالم التكنولوجيا والتقنيات الافتراضية، وهي:

الاستخدام الذكي للبيانات

يُعتبر السوق العقاري سوقاً نشطاً تسود فيه الأسعار الثابتة، إذ تخضع فيه لتقلّبات السوق وتتوزّع العروض فيه عبر البوابات وبعض المنصات العقارية، التي يخاطب كل منها جمهور مختلف.

ومؤخراً، باتت بعض هذه المنصات والبوابات العقارية تتبنّى تحليلات البيانات، وبذلك يُتاح لهم المجال للحصول على صورة أوضح للسوق من حجم البيانات الضخم الذي بحوزتهم. كما أن حجم البيانات المتزايد ينتشر بشكل واسع في المبيعات، فشركات التسويق على سبيل المثال أكثر قدرة على معرفة مدى مرونة الطلب أو توقّع ردّة فعل المستهلك لتقلّبات الأسعار من خلال تحليل البيانات. وفي حالة قطاع الإنشاءات، فإن تبنّي المنهج التحليلي لتاريخ فضاء معيّن يوفّر أدلّة لتنفيذ تجديد جذّاب للمشترين المحتملين.

الطباعة ثلاثية الأبعاد

تبدو الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing للمراقبين التكنولوجيا الأكثر تأثيراً على السوق العقاري في السنوات القادمة، وذلك لأنه تم استخدامها فيما سبق للجدران والطوب ومواد العزل، ويبدو ذلك مفيداً للغاية بينما يدفع نحو معدّلات غير مسبوقة من الإدخار، كما تم إظهارها في دراسات سابقة.

فوفق دراسة، أعدت في مدينة شنجهاي الصينية، فإن عشرة منازل بمساحة 200 متر مربّع تم بناؤها عام 2014 باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، في حين أن التكلفة الإجمالية للمشروع اعتبرت منخفضة بشكل جلي إذ قدرت بمبلغ 4800 دولار فقط!

وبالرغم من كون تقنية الطباعة الثلاثية لا تزال غير واسعة الانتشار بعد، فإنها تبدو جاهزة لإضافة مساهمة كبيرة لمشكلة الإسكان في كوكبنا بينما تشكّل فرصة ريادية للشركات الملتزمة بتطبيق مثل هذه التقنية.

إنترنت الأشياء

خرج في السنوات الأخيرة مفهوم إنترنت الأشياء IoT، إذ يبدو مفهوماً مثيراً للاهتمام بحق يرسم مستقبل العقار 2020 وما بعده!

فغالباً ما نسمع إشارات حول هذا المفهوم دون دراية حول ماهيته وكيفية عمله، ويبدو القطاع العقاري بمثابة السياق التطبيقي الذي يسهل فهم هذه التقنية من خلاله.

في الواقع، فإن مفهوم إنترنت الأشياء بالنسبة للمنازل والمكاتب أو الفضاءات التجارية يأتي بموازاة التطور الطبيعي لأتمتة المنازل.

جديرٌ بالذكر أن الجيل الحالي من المستهلكين يتّسم بزيادة الطلب على المنازل الذكية، فمفهوم إنترنت الأشياء يبدو على ارتباط وثيق بتقنيات التواصل والهواتف الذكية في فضاءات العيش والعمل على حد سواء.

فعلى سبيل المثال، ثمّة منظّمات حرارة تعمل وفق المعلومات التي يتم جمعها من مجسّات الحركة، لتقوم بإشعار صاحب المنزل وساكنيه إذا ما كان شخص ما متواجد في الغرفة أو لا، وأصبحت الهواتف الذكية بدورها تتضمّن خاصيات تحكّم عن بعد لتشغيل الأجهزة الكهربائية أو إيقاف تشغيلها.

إن إحداث التغيير بالشكل المطلوب وتحقيق الأهداف المرجوّة من التحول الرقمي في مجال قطاع العقارات يجب أن يتم بطريقة مدروسة تساعد العاملين في القطاع والعملاء معاً على تقبُّل التحول وفهمه بكل سلاسة ومن دون أي معوقات. ولتحقيق ذلك علينا اتخاذ إجراءات محددة، والقيام ببعض الدراسات التي تحلل الوضع الحالي، وتسلط الضوء على التقدم الذي يمكن إحرازه عبر أتمتة العمليات بكل دقة، وبعد ذلك نبدأ في وضع خطة زمنية للتغيير.

ولا ينتهي الأمر بإحداث التغيير، بل على الشركات القيام بعمليات مراجعة دورية لكل التغيرات التي تمت حتى تبقى على تواصل مع السوق والاتجاهات التكنولوجية المتغيرة، وتواصل تبنّي تقنيات جديدة على نحو صحيح يساهم في تطوير بيئة من المفكرين المبتكرين.

تحليل كتبه: محمود داوود

متخصص في ملف المدن المستدامة