احتضنت القاهرة “منتدى دل تكنولوجيز 2025″، في 30 سبتمبر 2025، تحت شعار “إعادة تصور الممكن”، والذي مثل علامة فارقة في مسيرة التطور التكنولوجي في المنطقة، مما يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لمصر والمنطقة في خريطة التكنولوجيا العالمية.
وجمع المنتدى نخبة من قادة الفكر والخبراء ورواد التكنولوجيا لاستكشاف أحدث الابتكارات العالمية التي تعيد تشكيل مستقبل الأعمال، مع تركيز خاص على تحولات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها الجذري على مستقبل العمل والاقتصاد.
وخلال مؤتمر صحفي على هامش المنتدى، أكد محمد أمين، نائب الرئيس الأول لمنطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة “دل تكنولوجيز”، أن “الذكاء الاصطناعي الوكيل” لم يعد ضرباً من الخيال، بل أصبح واقعاً ملموساً يتجسد في حياة الأفراد والمؤسسات، وهو ليس مجرد برنامج أو خوارزمية، بل وكيل رقمي متكامل قادر على إدارة مسارات معقدة في حياة الإنسان العملية.
وقال أمين: “لم يعد الشاب الباحث عن عمل مضطرًا لقضاء أسابيع وأشهر في كتابة الطلبات ومراسلة الشركات. اليوم يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بكل ذلك نيابة عنه، ليترك له المهمة الأهم: أن يذهب للمقابلة ويثبت نفسه”.
تحول طبيعة الوظائف: من التنفيذ إلى الإشراف والإبداع
وقدم أمين رؤية شاملة حول الجدل الدائر حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، مشيراً إلى أن المخاوف من اختفاء الوظائف مبالغ فيها. نعم، بعض الوظائف التقليدية ستختفي، وخاصة الأعمال المتكررة والميكانيكية، لكن ذلك لا يعني أن عدد الوظائف سينخفض، بل ستظهر وظائف جديدة تماماً تتعلق بالتحليل، والإشراف، وإدارة الأنظمة الذكية، وتطوير الحلول.
وقال: “كل ثورة صناعية مرت على العالم، من الثورة البخارية إلى الثورة الرقمية، أعادت توزيع الوظائف ولم توقف عجلة الحياة، فالذكاء الاصطناعي الوكيل هو المرحلة التالية من هذه الثورات، والأهمية ليست فيما نفقده من وظائف تقليدية، بل فيما نكسبه من فرص جديدة أكثر قيمة”.
وفي حديثه عن المبرمجين، أوضح محمد أمين أنهم يمثلون أوضح مثال على التحولات الجذرية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. فاليوم يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكتب ما يقارب 70% من أي برنامج كان يكتبه المبرمج بنفسه، لكن هذا لا يعني أن المبرمج فقد قيمته، بل على العكس، ازدادت أهميته.
وكما يوضح قائلا: “لم يعد المبرمج مجرد كاتب كود، بل أصبح قائداً موجهاً للذكاء الاصطناعي، ومبتكراً لحلول جديدة. الذكاء الاصطناعي يحرره من الأعمال الروتينية، ويمنحه مساحة أوسع للإبداع والتفكير الاستراتيجي. المبرمج المستقبلي سيكون أقرب إلى مهندس رؤية ومفكر، لا مجرد منفذ تقني”.
العودة إلى الجوهر الإنساني: الخيال والابتكار
أكد أمين أن القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي تكمن في إعادته الإنسان إلى جوهره الطبيعي الذي يقوم على الخيال من خلال التفكير خارج المألوف وصناعة أفكار جديدة والابتكار، وذلك من خلال ابتكار حلول لمشكلات لم تكن مطروحة من قبل، فضلاً عن الاختراع من خلال تحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات قادرة على تغيير مسار المجتمعات.
مضيفا: “الآلة قادرة على التنفيذ بدقة وسرعة، لكنها لا تملك القدرة على الابتكار. الإنسان هو صاحب الفكرة، هو من يبدع، وهو من يصنع المختلف. الذكاء الاصطناعي الوكيل يمنحنا مساحة لنعود إلى هذا الدور الإنساني الأصيل”.
البنية التحتية كركيزة أساسية للاقتصاد الرقمي
أكد أمين أن البنية التحتية لمراكز البيانات ليست مجرد استثمار في الأجهزة أو الخوادم، بل ركيزة أساسية للاقتصاد الرقمي ولأي تحول يعتمد على الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، لافتاً إلى أن الذكاء الاصطناعي لن ينجح في بيئة بيانات مشتتة أو غير مهيكلة. وشدد أن مراكز البيانات الموجودة حالياً غير مؤهلة للعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
الخطط المرحلية: من الرؤية بعيدة المدى إلى التنفيذ العملي
شدّد أمين على ضرورة وضع خطط مرحلية واضحة بأهداف قصيرة المدى ومؤشرات أداء دقيقة، لأن الأهداف البعيدة المدى مثل “استراتيجية 2030 أو 2040” لا تكفي وحدها.
وكما يضيف: “لا يمكن أن نقول سنصل إلى هدف بعد 15 عامًا ونترك الطريق ضبابيًا، فأي خطة يجب أن تكون تراكمية، تتدرج خطوة بخطوة. عندما نبني كوبري، لا ننتظر خمس سنوات ليتحقق فجأة، بل نقسم التنفيذ إلى مراحل: تأسيس القواعد، الحصر، الأعمدة، ثم الرصف. الأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي”.
رسالة إلى شباب المنطقة
وختم نائب الرئيس الأول لـ “دل تكنولوجيز” حديثه برسالة مباشرة للشباب في المنطقة: “لا تجعلوا الذكاء الاصطناعي مصدر خوف أو تهديد، اجعلوه شريكاً لكم، اتركوا له المهام الميكانيكية المكررة، واحتفظوا أنتم بالخيال والابتكار. المستقبل لن يكون للآلة وحدها، بل للشراكة بين الإنسان والآلة. وهذه الشراكة هي التي ستصنع الفارق وتعيد رسم مستقبل العمل والاقتصاد”.
إن رؤية “دل تكنولوجيز” كما قدمها محمد أمين في منتدى القاهرة لا تمثل مجرد تطور تقني، بل ثورة حقيقية تعيد تشكيل علاقة الإنسان بالعمل والحياة، وتفتح آفاقاً جديدة للشراكة الإستراتيجية بين الإنسان والآلة، مما يضع الأسس لمستقبل أكثر إبداعاً وابتكاراً في المنطقة والعالم.