لتحسين البنية التحتية وتحفيز الابتكار.. البنوك تبحث تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص كخيار استراتيجي
خلال مؤتمر لاتحاد المصارف العربية بالقاهرة
وسط التغيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية، برزت توجهات جديدة للقطاع المصرفي العربي، لاسيما المصري، إذ باتت المصارف مطالبة بإعادة تشكيل استراتيجياتها، عبر تعزيز الابتكار، ودعم التحول الرقمي، وتوسيع قاعدة الشمول المالي، إضافة إلى لعب دور محوري في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) كوسيلة أساسية لدفع عجلة التنمية المستدامة وهو مايخدم أهداف التنمية الشاملة ويعزز من اقتصاديات المستقبل التي تسعى لتفيذها حكومات المنطقة.
يأتي هذا التوجه في ظل الضغوط التضخمية، والتحديات التمويلية، وارتفاع الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة والخدمات العامة والتحول الرقمي ، ما يتطلب مشاركة فعالة من البنوك العربية لتوفير حلول تمويلية مرنة ومبتكرة، والحاجة إلى تنسيق أكبر بين الجهات الحكومية والمصارف لضمان نجاح المشروعات التي تخدم استراتيجيات وخطط الدول.
اتحاد المصارف العربية بصفته الجهة التي تربط البنوك والمصارف في الدول العربية ببعضها وتناقش الخطط التي تهدف لتعزيز اقتصادات الدول، ناقشت أمس الاثنين في مؤتمر موسع، “الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل الاقتصاد”، والذي أثمر عن أن البنوك العربية والمصرية تمضي بخطى واثقة نحو لعب دور أكبر في دفع النمو الاقتصادي من خلال دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ومع استمرار تبني سياسات التمويل المبتكر والتحول الرقمي، ستكون المصارف قادرة على مواجهة التحديات، وتعزيز استدامة المشروعات، ودعم الاقتصادات الوطنية لتحقيق أهدافها التنموية بحلول 2030، خاصة وأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تشكل إحدى الأدوات الفعالة لتسريع تنفيذ المشروعات الكبرى دون تحميل الميزانيات الحكومية أعباء إضافية.
وأجمع المشاركون في فعاليات المؤتمر على أن البنوك العربية، وفي مقدمتها البنوك المصرية، أصبحت شريكًا رئيسيًا في تمويل مشروعات الشراكة عبر توفير التسهيلات الائتمانية، وترتيب القروض المشتركة، وإدارة المخاطر التمويلية، فضلاً عن أنها تتجه إلى تطوير منتجات مالية مصممة خصيصًا لدعم مشروعات الشراكة، مع التركيز على قطاعات البنية التحتية، الطاقة المتجددة، النقل، والرعاية الصحية، بما يتماشى مع أهداف التنمية الوطنية.
وأوضحوا أن إستراتيجيات البنوك العربية ترتكز على عدة آليات لتعزيز دورها في مشروعات الشراكة، أبرزها، ابتكار أدوات تمويلية متخصصة مثل السندات الخضراء، والصكوك، والقروض التنموية، وتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، لتقليل تكلفة التمويل وزيادة قدرة المشروعات على النفاذ للأسواق العالمية، وتطوير قدرات إدارة المخاطر، بما يضمن تقليل المخاطر المرتبطة بالمشروعات طويلة الأجل، مع تبني المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) كشرط رئيسي في تمويل المشروعات المستقبلية.
وعلى الرغم من الفرص الكبيرة التي ذكرها المشاركون في المؤتمر، فإن البنوك تواجه بعض التحديات مثل نقص الخبرة المتخصصة في تمويل مشروعات الشراكة المعقدة، وارتفاع مخاطر التمويل طويلة الأجل مقارنة بالتمويل التقليدي خاصة مع تنوع الاقتصاديات ودخول قطاعات جديدة تحتاج إلى أليات تمويلية مرنة كمشروعات التكنولوجيا والطاقة .
وفي هذا الصدد، قال طارق الخولي، نائب محافظ البنك المركزي المصري، إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تساهم في تقاسم المخاطر بصورة متوازنة، وتساعد على تخفيف الضغوط على ميزانيات الدول.
وأضاف أن التجارب أثبتت قدرة الشراكات بين القطاع العام والخاص على إحداث نقلة في مجالات البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والنقل والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تعتبر قاطرة النمو والتنمية.
أشار إلى أن القطاع المصرفي العربي يلعب دورًا هاما في دعم الشراكة من خلال ابتكار العديد من الأدوات التي تدعم هذه المشروعات وخاصة التمويل الأخضر والمناخي، مؤكدا على ضرورة تبني استراتيجية طموحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وإتاحة حلول مالية مبتكرة.
أوضح أن الدول الناشئة تواجه تحديات ممثلة في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتعتبر الشراكة من أهم الأدوات لجذب هذه الاستثمارات، مشددًا على ضرورة وضع الأطر المؤسسية والقانونية لدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ومن جانبه قال محمد الأتربي رئيس اتحاد المصارف العربية، والرئيس التنفيذي للبنك الأهلي المصري واتحاد بنوك مصر، أن المنطقة العربية تعيش اليوم في عالم مضطرب تسوده الضبابية، وحالة عدم اليقين، وتنعكس هذه الحالة على معظم الدول العربية، حيث أنّ الدول والشعوب مصابة مباشرة، وتمرّ في فترة مخاض خطيرة، خصوصاً وأنّ أصول اللعبة الدولية تتم على الأراضي العربية، وأصبح التهديد تهديداً إستراتيجياً، يتناول النواحي الاقتصادية والاجتماعية والامنية.
وأضاف أنه في خضم هذه الظروف الاستثنائية لا بدّ من البحث عن الحلول التي تخفف من معاناة مجتمعاتنا، وتعالج أزماتنا الاقتصادية والمالية كمنطلق للدفع في عجلة التنمية وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أنّ التحديات الاقتصادية التي نواجهها تتطلّب حلولاً مبتكرة، ولا شكّ أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص تشكّل ركيزة أساسية لدفع عجلة النموّ، وتحقيق التوازن بين الاستثمار الفعّال والخدمات ذات الجودة العالية.
ولفت محمد الأتربي، إلى أن هذه الشراكة ليست مجرّد خيار، بل ضرورة تفرضها الحاجة إلى موارد تمويلية مستدامة، وإلى توظيف الخبرات والكفاءات لضمان تنفيذ المشاريع الكبرى بكفاءة وفعاليّة.
وأشار إلى أن الدول العربية أمام فرصة ذهبية لتعزيز بيئة الأعمال، وتوفير مناخ استثماري جاذب، من خلال أطر قانونية وتنظيمية واضحة تحفّز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، والخدمات الأساسية، وغيرها من القطاعات الحيوية.
وأكد على أن التجارب العالمية أثبتت أنّ الشراكة الناجحة بين القطاعين العام والخاص تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، لافتًا إلى أن التجارب العربية بشكل عام، والمصرية بشكل خاص، في اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص شكلت أداة إستراتيجية لتمويل الاقتصاد، من خلال مساهمتها في تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة، وأثبتت هذه التجارب فعالية هذه الشراكة في تمويل وتنفيذ مشاريع اقتصادية وتنموية كبرى.

وقال رئيس اتحاد المصارف العربية: «فعلى سبيل المثال، فإنّ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في جمهورية مصر العربية، يعتمد بشكل كبير على استثمارات القطاع الخاص في بناء البنية التحتية والمرافق الحيوية، وهناك مشروع محطات الطاقة في بني سويف الذي تم تنفيذه بالشراكة مع شركة “سيمنز”، مما عزّز إنتاج الكهرباء بشكل كبير، كذلك مشروع المونوريل الذي يربط العاصمة الإدارية بالقاهرة الكبرى، وتم تنفيذه بالشراكة مع شركات عالمية مثل “السنوم”».
ونوه بأن هذا النموذج المصري يُظهر أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أنّ تكون أداة قويّة لتحقيق التنمية المستدامة إذا تم تطبيقها بشكل سليم، خصوصاً، وأنّها تتميّز بقدرتها على توفير التمويل اللازم لمشاريع البنى التحتية والخدمات العامة من دون أن تتحمّل الحكومات الأعباء المالية بالكامل، مما يُقلّل من الضغط على الميزانية العامة.
كما أنها تساهم في تحسين جودة الخدمات من خلال استفادة القطاع العام من خبرات وكفاءة القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع وتشغيلها بفعالية أعلى، إضافة إلى مساهمتها في تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، حيث توفّر هذه الشراكة بيئة استثمارية جاذبة وآمنة للمستثمرين، مما يشجّع على تدفق رؤوس الأموال إلى الاقتصاد، بحسب الاتربي.
وفي ختام كلمته، أعلن رئيس اتحاد المصارف العربية عن استمرارية جهود الاتحاد بالتعاون مع القطاع المصرفي العراقي ممثلاً برابطة المصارف العراقية والبنك المركزي العراقي حيث سيعقد الاتحاد مؤتمره حول: مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب – بدورته الثانية، يومي 28 و 29 مايو 2025، في بغداد – جمهورية العراق.
وفي السياق نفسه، شدد أشرف القاضي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للمصرف المتحد، على أهمية تعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص لفتح آفاق جديدة للتمويل التنموي في المنطقة العربية والإقليمية.

أضاف أن قضايا التنمية المستدامة العربية تعتبر أحد التحديات الرئيسية بالمنطقة، مما يتطلب تطوير آليات العمل العربي المشترك والأخذ بنموذج التكامل الإقليمي خاصة في ضوء الارتباط الوثيق بين متطلبات التنمية الاقتصادية والحاجة إلى تنفيذ مشروعات إقليمية عملاقة في العديد من المجالات، خاصة المتعلقة بتحسين الظروف المناخية بهدف تنفيذ خطط التنمية الشاملة.
وأشاد القاضي، بجهود الدولة المصرية والدول العربية والبنك المركزي المصري بالتنسيق مع البنوك المركزية العربية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من تنمية حقيقية للطاقات البشرية والعلمية والتي تستلزم تركيز الجهود في مجال الصحة والتعليم والتركيز على التحول لمجتمع معرفي وتطوير مجالات البحث العلمي والابتكار.
في سياق مختلف، تطرق محمد علي، الرئيس التنفيذي لمصرف أبوظبي الإسلامي مصر، للحديث عن الصيرفة الإسلامية، مشيدًا بقيام الدولة بوضع قانون لإصدار الصكوك السيادية منذ عامين، إذ أصدرت الدولة أول صك سيادي بقيمة 1.5 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع إصدار طرح جديد خلال الفترة المقبلة.
أكد على ضرورة إصدار صكوك بالعملة المحلية خلال الشهور القادمة، لدعم عمل البنوك الإسلامية بالسوق المصرية، وهو ما تعمل عليه وزارة المالية في الفترة الراهنة.
أشار محمد علي، إلى أن الصيرفة الإسلامية تحظى باهتمام متزايد في مصر، حيث تعمل أربعة بنوك إسلامية بالكامل، مشيرًا إلى أن مصرف أبوظبي الإسلامي يمتلك حاليًا 73 فرعًا، مع خطة للوصول إلى 80 فرعًا بنهاية عام 2025.
وأشار إلى أن مصرفه ركز على تطوير المنتجات والخدمات المصرفية سواء من خلال البنك مباشرة أو عبر الشركات التابعة، حيث تم تأسيس نحو 5 شركات في القطاع المالي غير المصرفي تخدم شرائح كبيرة من المواطنين.

وأكد أن مصرف أبوظبي الإسلامي أصبح أكبر بنك إسلامي في مصر خلال عام 2024، في سوق يضم حوالي 300 فرع إسلامي.
وكشف أن العائد على حقوق الملكية بالبنك بلغ 47% خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن جزءًا من أرباح البنك تم توجيهها لتأسيس مؤسسة مصرف أبوظبي الإسلامي الخيرية .
ونوه بأن مصرف أبوظبي الإسلامي أصبح ضمن أكبر 10 بنوك عاملة في السوق المحلية، لافتًا إلى أن البنك يمتلك منظومة مالية متكاملة تشمل حلول المدفوعات الإلكترونية والتمويل الاستهلاكي.