في مثل هذا اليوم، الخامس عشر من نوفمبر من عام 1971، شهد العالم حدثًا تاريخيًا غير مسار التطور التكنولوجي إلى الأبد، عندما أعلنت شركة إنتل (Intel) عن إطلاق معالجها الدقيق الأول “إنتل 4004” (Intel 4004)، وهو حدث يُعتبر بحق شرارة انطلاق الثورة الرقمية التي نعيشها اليوم.
هذا المعالج الصغير الحجم والقوي الأداء، الذي كان بحجم ظفر الإنسان، قد وضع اللبنة الأولى لبناء عالم مليء بالأجهزة الذكية والمتصلة بالإنترنت.
تبلورت فكرة تطوير معالج دقيق متكامل على رقاقة واحدة في سبعينيات القرن الماضي، حيث كانت الحواسيب الضخمة تشغل مساحات شاسعة وتستهلك كميات هائلة من الطاقة، فكانت الحاجة ماسة إلى تطوير معالجات أصغر حجمًا وأكثر كفاءة.
بدأت قصة معالج “إنتل 4004” (Intel 4004) بشراكة غير تقليدية بين شركة إنتل الناشئة وشركة “بوسيكوم” اليابانية (Busicom) ، وكانت الأخيرة تبحث عن حل لتطوير آلات حاسبة متقدمة، فاتجهت إلى إنتل لتصميم رقاقة متكاملة لتلبية احتياجاتها.
واجه مهندسو إنتل تحديات كبيرة في تطوير هذا المعالج، فكان عليهم تصميم دائرة متكاملة تقوم بجميع وظائف المعالج التقليدي في مساحة صغيرة جدًا، ومع ذلك، تمكنوا من تحقيق إنجاز تاريخي بتصميم معالج يتكون من 4 دوائر متكاملة فقط، بدلًا من التصميم الأصلي الذي قدمته “بوسيكوم”، والذي كان يتكون من 12 دائرة متكاملة.
كان معالج “إنتل 4004” بحجم ظفر الإنسان، وقدم أداءً حاسوبيًا يعادل الحواسيب الضخمة التي كانت موجودة في ذلك الوقت، واحتوى على حوالي 2300 ترانزستور، واستخدم في البداية في الآلات الحاسبة، ثم وجد تطبيقات واسعة في العديد من الأجهزة الإلكترونية الأخرى.
أحدث إطلاق معالج “إنتل 4004” تأثيرًا عميقًا على العالم، فقد أشعل ثورة في صناعة الإلكترونيات،و مهد الطريق لتطوير أجهزة الكمبيوتر الشخصية والأجهزة الإلكترونية المتقدمة التي نستخدمها اليوم، وساهم في تصغير حجم الأجهزة الإلكترونية وزيادة قدرتها على المعالجة، وأوجد تطبيقات في العديد من المجالات، مثل الصناعة والطب والاتصالات.
كما شكل معالج “إنتل 4004” الأساس لتطوير أجيال لاحقة من المعالجات الدقيقة، مما أدى إلى زيادة هائلة في قوة الحوسبة وتقليل تكلفتها، وساهم في نمو العديد من الصناعات وفتح آفاقًا جديدة للابتكار.
ويمكن القول إن إطلاق معالج “إنتل 4004” كان لحظة فارقة في تاريخ التكنولوجيا، حيث أطلق العنان لإمكانيات هائلة غيرت العالم بشكل جذري، ويذكرنا هذا الإنجاز الرائع بأهمية الاستثمار في البحث والتطوير، ودور الشراكات بين الشركات في دفع عجلة التقدم التكنولوجي.