خطوات استراتيجية ومطالب ملحة.. العصر الذهبي لـ«صناعة السيارات» في مصر يقترب من الانطلاق
تستعد مصر لخطوات استراتيجية غير مسبوقة في ملف صناعة وتجميع السيارات خلال العامين الجاري والمقبل ، بحزمة حوافز استثنائية، وجذب استثمارات نوعية في هذا القطاع لتخطي إنتاج ربع مليون سيارة سنويا، في ظل خطة طموحة للوصول إلى 400 ألف سيارة بحلول 2030 والتأسيس لصناعة سيارات قوية تقودها شركات كبرى كنيسان وجنرال موتورز وستيلانتس وغيرها، مع شركاء محليين في ظل مؤشرات اقتصادية مستقرة ودوافع سياسية لتوطين هذه الصناعة الحيوية.
وذلك في ظل مؤشرات وتقارير دولية تشير إلى أن مصر أصبحت سوقا جاذبة لصناعة السيارات مدفوعة بسياسات صناعية قوية، ووجود سوق استهلاكي ضخم، وكونها سوقا واعدا لشركات صناعة السيارات الراغبة في التصدير لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع، وذلك في ظل الاتفاقيات التجارية المتعددة لمصر وخطط الدولة وتحركاتها الاستراتيجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتخفيف الضغوط على العملة الصعبة وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي من صناعة السيارات.
ووفقا لتقرير حديث لوكالة فيتش حول الاستثمارات المرتبطة بإنتاج السيارات – فإن مصر استحوذت على أكبر عدد من الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2024، إذ تم الإعلان عن 14 مشروعا في السوق المصري، ما يمثل نحو 28% من إجمالي المشروعات الاستثمارية التي تم تتبعها ضمن مراجعتها.. وجاءت المغرب في المرتبة التالية مباشرة، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وسياساتها الحكومية الداعمة أيضا.
وفي نهاية أكتوبر 2022، وقّع الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون الخاص بإنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات، ويختص بوضع الإطار العام للإصلاح التشريعي والإداري لصناعة السيارات، وكان مجلس الوزراء قد وافق في مايو الماضي على برنامج جديد لحوافز إنتاج السيارات، يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لصناعة السيارات التي انطلقت منتصف 2022، ويهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي من خلال رفع نسبة المكون المحلي إلى 60% بدلا من 45%، كما تسعى السياسة إلى زيادة الطاقة الإنتاجية، مع تصدير نحو ربع هذا الإنتاج عبر تقديم حوافز للشركات المصدرة، كما أطلقت الحكومة البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات في نوفمبر 2023، الذي يُعد بمثابة سياسة متكاملة وشاملة لصناعة السيارات والصناعات المُغذية لها.
وخصصت الحكومة المصرية 3 مليار جنيه بموازنة العام المالي الجاري 2025-2026 لدعم صناعة السيارات ومستلزماتها ومكوناتها بمصر ، وجذب شراكات استثمارية في مجال تصنيع السيارات.
الخبراء أشاروا ، إلى أن التحركات الأخيرة في ملف صناعة السيارات في مصر تبدو واعدة جدا في ظل قوة الاستثمارات المعلن عنها والعلامات التجارية التي تقف ورائها، وفي ظل سياسات وحوافز الحكومة التي تسعى لزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي كما تمثل صناعة السيارات فرصة لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري خاصة مع التوسع في صناعة السيارات الكهربائية، إلى جانب توفير آلاف فرص العمل في الصناعة الرئيسية وأيضا الصناعات المغذية كالبطاريات.
ولفتوأ إلى أن تحقيق أهداف الدولة في هذا القطاع يتطلب ضخ استثمارات كبيرة خاصة في مجالات تصنيع المعدلات الأصلية، بالإضافة إلى تركيز الخطط الاستثمارية على صناعة السيارات الكهربائية بشكل خاص وتطوير البنية التحتية الخاصة بها في ظل النمو الهائل في الطلب عليها، مؤكدين على ضرورة التركيز على نقل التكنولوجيا وتطوير المهارات وأيضا تعزيز تواجد شركات محلية قادرة على تطوير الإنتاج وزيادة معدلات التصنيع.
وكان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء قد صرح في مايو الماضي أن الرئيس السيسي، يُولي اهتمامًا كبيرًا بملف توطين صناعة السيارات الكهربائية، وأنه وجّه بأن أي مستثمر يرغب في إنشاء مصنع لتصنيع السيارات الكهربائية في مصر ستضمن له الحكومة شراء حصة من الإنتاج لمدة 5 سنوات.

الخبراء أكدوا أيضا على أن بعض خطوط الإنتاج القائمة حالياً حققت بالفعل نسباً مرتفعة من التصنيع المحلي، وهو ما يعزز إمكانية البناء على هذه القاعدة الصناعية ، منوهين في نفس التوقيت إلى ضرورة كسر التحديات التي تقف أمام نمو هذه الصناعات والمتمثلة في البيروقراطية وضعف البنية التحتية لصناعة السيارات الكهربائية، وأيضا التنافسية الشديدة في المنطقة على القطاع ، وتوافر المكون المحلي.
أبرز المشروعات
أشارت وكالة فيتش إلى أن عدة شركات مصنعة أعلنت عن خطط لتعزيز الإنتاج المحلي في مصر، وذلك عقب إطلاق الحكومة لاستراتيجيتها الوطنية لصناعة السيارات في عام 2022.
وأوضحت أن أبرز المشاريع في مصر، الشراكة المعلنة بين شركة BAIC الصينية المتخصصة في السيارات الكهربائية وشركة ألكان أوتو لإنشاء مصنع محلي لتجميع السيارات الكهربائية بطاقة إنتاجية أولية تبلغ 20 ألف وحدة سنويا، كما أعلنت نيسان عن عزمها زيادة استثماراتها في الإنتاج المحلي في مصر، لتصل الطاقة الإنتاجية السنوية إلى 30 ألف وحدة بحلول عام 2025. علاوة على ذلك، أعلنت العلامة المحلية النصر في نوفمبر 2024 عن خطط لاستئناف إنتاج الحافلات والحافلات الكهربائية الصغيرة بعد توقف دام 15 عاما.واعتبارا من الربع الأول من عام 2025، أعلنت الشركة عن زيادة استثماراتها لتوسيع إنتاج سيارات الركاب بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 20 ألف وحدة، كما تشهد السوق المصرية في الوقت الحالي طرح سيارات تجميع أو تصنيع محلي من علامة هيونداي.
ووفقا لتقارير إعلامية تستعد أكثر من 7 شركات لدخول السوق المصرية خلال العامين الجاري والمقبل، بطاقات مستهدفة تتخطي 160 ألف سيارة، ليصل بذلك إجمالي السيارات المُجمعة محلياً إلى 260 ألف، أحدثها إعلان شركة فولكس واجن الألمانية إنتاج جزء من سياراتها في مصر، ضمن خطة تهدف إلى التوسع في أسواق أفريقية جديدة.

من جابنه قال خالد سعد أمين عام رابطة مصنعي السيارات في مصر، أن الخطوات و المبادرات الأخيرة التي تبنتها الدولة لدعم الإنتاج المحلي وتعميق صناعة السيارات، أحدثت تحولا كبير في مستقبل الصناعة في بشكل عام، حيث دفعت العديد من المصنعين لزيادة حجم إنتاجهم المحلي بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أن الضمانة الحقيقية لاستدامة نمو القطاع يتطلب استمرار الإصلاحات وتعزيز البنية التحتية وأيضا التمويلية والفنية للقطاع في ظل التنافسية الكبيرة بالمنطقة على جذب الاستثمارات النوعية في صناعة السيارات.
وأشار إلى إصدار البرنامج الوطنى لتنمية صناعة السيارات AIDP فى نسخته الأخيرة يعد أمرًا إيجابيًا إذ أنه يضع إطارًا تنظيميًا واضحًا للشركات الراغبة فى الاستثمار بالسوق المحلية منوها إلى أن الأمور المتعلقة بشروط الإنتاج تهدف إلى تعزيز قدرة المنتجين المحليين على النفاذ إلى الأسواق الأجنبية وعدم الاكتفاء بالعميل المصرى وهو ما ستكون له مردودات إيجابية على العوائد الدولارية خلال السنوات المقبلة، كما يشجع البرناج على زيادة الاستثمارات فى تطوير المكونات المحلية وإنتاج أجزاء جديدة متوقعًا أن يكون هناك تنسيق بين الحكومة ومنتجى المكونات لدعم هذا التوجه بما يسهم فى بناء صناعة حقيقية.
وأكد على أن نمو صناعة السيارات في مصر يواجه العديد من التحديات سواءا المحلية المتمثلة في الاعتماد الكبير لخطوط الانتاج على المكونات المستوردة رغم الأهداف المتنامية لرفع نسبة المكون المحلي ل 60%، وأيضا تواجد بعض المعوقات المتصلة بالبيرقراطية، هذا بالإضافة إلى التواترات الجيوسياسية عالميا وتأثيرها على كافة الصناعات وقرارات الشركات، إلى أن جانب المنافسة المحمومة بين دول المنطقة على جذب مصنعي السيارات
المهندس جمال عسكر، خبير في صناعة السيارات، قال إن صناعة السيارات تعتبر قاطرة التنمية في مصر حيث تحقق العديد من المزايا والقيم المضافة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أيضا ، حيث تعد مسارا رئيسيا لزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب قدرتها على توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

وأضاف أن الدولة تعمل حاليا على التوسع الأفقي والرأسي في هذه الصناعة للتحول إلى مركز إقليمي لصناعة وتجميع السيارات وتحقيق الاكتفاء المحلي والتوجه نحو التصدير اعتمادا على موقعها الجغرافي المتميز واتفاقياتها التجارية العديدة خاصة في ظل الحرب التجارية العالمية القائمة و سعي شركات أجنبية لتجاوز القيود الجمركية المفروضة على صادراتها.
وتابع جمال عسكر: «مقومات صناعة السيارات تكمن في العامل البشري أولًا، من ثم وجود شبكة طرق جيدة وبنية تحتية مناسبة ومصانع، إذ أن وزارة الإنتاج الحربي لديها العديد من المصانع التي يمكن استغلالها في هذه الصناعة المهمة جدا للدولة المصرية، لذا تكثف الحكومة المصرية الاهتمام بهذه الصناعة».
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يشهد قطاع إنتاج السيارات في مصر توسعا كبيرا مدفوعا بزيادة استثمارات مصنعي المعدات الأصلية،، ومن المنتظر أن تسهم الشراكات بين المصنعين المحليين والشركات العالمية في نقل التكنولوجيا، وتطوير المهارات، وتعزيز القدرات الإنتاجية، مما يضع مصر في موقع محوري في السوق الإقليمي للسيارات.
وأكد على ضرورة التوسع في التكامل والتنسيق بين كافة الجهات المعنية بهذه الصناعة تحت مظلة لمجلس الأعلى لصناعة السيارات، للتسريع في عملية توطين هذه الصناعة واستغلال الحالة العالمية المتجهة بقوة على مستوى المصنعين وأيضا المستهلكين نحو زيادة أعداد السيارات خاصة الكهربائية، فهناك مؤشر كبير على التوجه عالمياً بشكل كبير وربما كلي لاستخدام السيارات الكهربائية إذ تستهدف الصين على سبيل المثال بلوغ نسبة السيارات الكهربائية لديها نحو 40% من إجمالي مبيعاتها للسيارات بحلول عام 2025وتسعى ألمانيا أن تشهد طرقاتها سير نحو 15 مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2030.
السيارت الكهربائية
يجب أن تشكل السيارات الكهربائية الجزء الرئيسي في صناعة السيارات في مصر وذلك وفقا لمازن هارون، عضو مجلس إدارة شركة جلوبال تريد جروب، مشيرا إلى أن صناعة السيارات الكهربائية تحتاج لحوافز رئيسية للإنتاج، ترتبط بشكل أساسي بالقيمة المضافة المحلية وهي نقطة ارتكاز عمل البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات، كما ترتبط هذه القيمة من جهة ثانية بتوطين تكنولوجيا صناعة المكونات، كما تناول فرص الاستثمار في الخدمات الهندسية، والتي تعتمد على كل من مراكز البحوث والتطوير، ومراكز تطوير البرمجيات الصناعية، وكذا مُعامل الاختبار والاعتماد، الذي يشير إلى تغطية طلبات الصناعات الهندسية ومنها صناعة المركبات ومكوناتها.

وأشار إلى أنه بشكل مباشر ستدفع معدلات ارتفاع الوقود إلى تنامي اقتناء السيارات الكهربائية خلال الفترة المقبلة ، خاصة إذا تبنت الدول خطط متسارعة لتسهيل وتسريع التراخيص الخاصة بها وتقديم حوافز ، بالإضافة إلى العمل مع العديد من الشركاء على التوسع في محطات الشحن السريع لتعزيز الطلب حيث أنها عنصر بارز في المنظومة، كما تقتضي الحاجة إلى ضرورة التوزيع الجغرافي السليم لهذه المحطات، بالإضافة إلى توفير أليات تمويل مناسبة من جانب البنوك وشركات التمويل الاستهلاكي.
ولفت مازن هارون، إلى أن الدولة مرنة جدا في التعامل مع ملف توطين صناعة السيارات الكهربائية، ومنفتحة للتعاون مع العديد من الشركاء المحليين والإقليمين ، وهو مانرصده بالتحركات الكبيرة لعدد من الوزراء والهيئات في هذا الملف وأيضا الدعم القوي من مجلس النواب عبر إقرار العديد من السياسات والتشريعات المباشرة وغير المباشرة التي تفيد هذه الصناعة وتدعم مساراها نحو المستقبل.
وأضاف أن الدولة تنظر لهذا الملف باعتباره مجال رئيسي وحيوي، لإنتاج سيارات كهربائية بجودة عالمية تصلح للمنافسة على المستوى الإقليمي والدولي وسط حمى التصنيع لهذه الأنواع من السيارات وسط الإقبال المتنامي عليها، مما يعزز ويساهم بشكل مباشر فى زيادة التصدير للخارج وتوفير عملة صعبة وأيضا توفير فرص عمل جديدة للعديد من الفئات المهنية المتخصصة في هذه المجالات.
وأكد، على أهمية اكتمال منظومة تصنيع السيارات الكهربائية في مصر لتستوعب المقومات المتواجدة وأيضا التحديات التي لايمكن إغفالها، وذلك عبر دعم المصنعين والمصدرين وتيسير كافة الإجراءات المتعلقة بأعمال هذه المنظومة مما يعمل على تحفيز معدلات الإنتاج والأنشطة التجارية المتعلقة وأيضا فتح المجال لاستقطاب كافة الصناعات التكميلية لهذه الصناعة وعلى رأسها البطاريات الكهربائية.