يراهن الاقتصاد المصري على تحقيق تجربة صعود رقمية خلال الفترة المقبلة، مع تركيز الدولة على سياسات نافذة في هذا الإطار، ومشروعات ومبادرات شاملة بشراكة متكاملة مع القطاع الخاص، وذلك عبر اقتصاد قائم على البيانات وأجهزة متصلة ونماذج أعمال جديدة، وذلك بهدف زيادة الإنتاجية في الشركات عبر جميع القطاعات الاقتصادية بما يخدم تحقيق رؤية مصر 2030 وضبط مؤشرات التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث يمكن أن تساعد التقنيات المتطورة والبيانات الضخمة وتحليلات البيانات الشركات على فهم عمليات الإنتاج بشكل أفضل، واحتياجات عملائها وشركائها، والمساهمة في تعزيز بيئة الأعمال بشكل عام.
وتركز العديد من القطاعات الاقتصادية على التقنيات الرقمية لتحسين وصول الشركات المصرية إلى المهارات والمواهب، على سبيل المثال من خلال تحسين مواقع التوظيف والاستعانة بمصادر خارجية لوظائف الأعمال الرئيسية، وكل ذلك يمكن أن يساعد في تحسين أدائها، ويمكن للتكنولوجيات الجديدة أيضًا أن تسهل الوصول إلى مجموعة من أدوات التمويل، كما يمكن أن تدعم المنصات عبر الإنترنت إنتاجية شركات الخدمات الأقل تقنية، على سبيل المثال من خلال تزويدها بمرافق الحجز وخوارزميات المطابقة الفعالة القائمة على أنظمة مراجعة وتقييم المستهلك.
ومن المتوقع أن تحقق القطاعات الاقتصادية في السوق المصري نمواً قوياً في الاستثمارات الخاصة بالتحول الرقمي، ويأتي على رأس هذه القطاعات القطاع المالي الذي يُعد الأسرع نمواً في هذا النوع من الاستثمارات بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 20.4٪ بين عامي 2017 و 2022.
واستكمالا لما بدأناه في النشرة السابقة من followict ، والتى نشرنا فيها أول حلقة من سلسلة التحليلات الخاصة بنا والمعنية بدراسة حالة التحول الرقمي في مصر عبر اعتمادنا على نظرية الأداة “SWOT”الشهيرة وهي اختصارا لكلمات(Strengths, weaknesses, opportunities, threats) وتعد إحدى أدوات التحليل الاستراتيجي وتستخدم لتحديد 4 نقاط أساسية وهي القوة والفرص والضعف والتهديدات،واستعرضنا في النشرة السابقة عناصر القوة التي تتميز بها منظومة التحول الرقمي في مصر نستكمل في هذا العدد الفرص المتوفرة للقطاعات الاقتصادية لإدارة عملية التحول الرقمي بها والمعوقات والتحديات التي تواجهها في هذا الإطار.
الجزء الأول من التحليل – «التحول الرقمي في مصر».. القوة والفرص في مواجهة الضعف والتهديدات
ونشير هنا إلى أبرز القطاعات المالية والاقتصادية التي تمتلك فرص استثنائية نحو التحول الرقمي:
– الخدمات المالية والمصرفية
يعد قطاع الخدمات المالية والمصرفية ضمن أكثر القطاعات زخماً في عملية التحول الرقمي في مصر خلال الفترة الأخيرة، حيث تصل نسبة نمو الاستثمار في التكنولوجيا الخاصة بهذا القطاع من 10 إلى 15 % سنويا وفقا لدراسة خاصة لبنك HSBC، ليعد من أبرز القطاعات في معدلات نمو الاستثمار في التحول الرقمي، ويمتلك القطاع فرصاً كبيرة للرقمنة خاصة مع تبني البنك المركزي المصري استراتيجية شاملة للتحول الرقمي، وتوسع الشركات المالية والتكنولوجية في تقديم الخدمات المالية الرقمية، وظهور شركات الدفع الإلكتروني ومنصات تحويل الأموال التابعة لشركات الاتصالات والتي تتكامل مع البنوك لتطوير المنظومة بشكل كامل.
ومن منطلق دوره الرئيسي كمحفز لعملية التطوير وداعم لصناعة التكنولوجيا المالية، فقد قام البنك المركزي المصري في مارس 2019 بإطلاق استراتيجيته المتكاملة للنهوض بمنظومة التكنولوجيا المالية والابتكار والتي تهدف إلى تحويل مصر إلى مركزا إقليميا لصناعة التكنولوجيا المالية كرؤية رئيسية وإطلاق العديد من المبادرات الاستراتيجية وانشاء صندوق ابتكار بقيمة مليار جنيه وإنشاء قسم للتكنولوجيا المالية والابتكار وتدشين لجنة لنفس الغرض وإنشاء مركز التكنولوجيا المالية.
من جانبه قال أشرف القاضي رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، أن مع بداية وباء كورونا في 2020، احتاجت كافة المؤسسات المالية إلى توفير الوصول إلى جميع الخدمات المالية تقريبًا عبر القنوات الرقمية، وحدث فى القطاع المصرفي ثورة تكنولوجيا كبيرة و توسع فى الخدمات الرقمية من خلال طرح منتجات خاصة بالموبايل والانترنت بجانب التوسع فى طرح الفروع الرقمية.
تابع “لم تتوقف خدمات البنوك عند الحد المشار إليه بل أعلن البنك المركزي المصري أيضا تقديم خدمتي الإقراض والادخار الرقمي عبر محفظة الهاتف المحمول الخاصة بالعملاء بشكل لحظي، وكذلك التشغيل البيني الكامل لتحويل الأموال بين حسابات محفظة الهاتف المحمول والحسابات البنكية المختلفة.
وأشار أشرف القاضي ، إلى إن تعزيز استخدام التحول الرقمي في القطاع المالي سيقلل من نطاق المعاملات النقدية ويساعد في الكشف عن الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ويمكن لنشر المدفوعات الفورية والطرق المبتكرة الأخرى أن يقلل من استخدام النقد حتى في المعاملات الصغيرة وبتكلفة ضئيلة للمستخدمين.
وأكد على ضرورة العمل على تحسين سرعة وبساطة المشاركة الرقمية، واستخدام البيانات والتحليلات لتقديم توصيات استباقية للعميل، وخلق طرق جديدة للمشاركة وخدمة العملاء واستكشاف طرق ذات قيمة مضافة لجعل حياة المستهلك أسهل – حتى خارج الخدمات المالية، بالإضافة إلى ضرورة الانتقال من منظور يركز على المنتج إلى كونه مرتكزًا على العميل.
وفقًا لمسح أجرتهAdvantEdge Digital ، وهي وحدة تابعة لمجموعة CUNA Mutual Group، وجدت أن 3 من كل 10 أشخاص سيتركون مزودي الخدمات المصرفية التقليديين إذا وجدوا تجربة مصرفية أفضل عبر الهاتف المحمول في مكان آخر، وهو ما يؤكد أن التغيير لن يحدث بعد 5 أو 10 سنوات، ولكنه يحدث الآن، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يقولون إنهم يخططون لتغيير مؤسستهم المالية التقليدية خلال عام أو عامين على الأكثر من 12% سنويًا إلى 22%.
من جانبه قال إبراهيم الشربينى، رئيس قطاع التحول الرقمى فى بنك مصر، أن الفترة المقبلة تحتاج من البنوك المصرية تبني التحول الرقمي بشكل كبير والتخطيط على المدى الطويل بالبيانات والتحليلات وأيضا الوظائف الرقمية ، لافتا إلى أن إدرات البنوك المصرية أدركت بشكل كبير أهمية التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية والدخول في شراكات معها من خلال توفير منتج معين للمستخدمين النهائيين أو استخدام واجهات التطبيقات البنكية المفتوحة التي تمكن مطورين خارجيين من إنشاء تطبيقات وخدمات مالية لتتحول البنوك إلى منصات للخدمات المالية.
– التعليم
تخوض مصر مرحلة غير مسبوقة في مجال التعليم، بإجراء تجارب جادة لتبني نظام يستهدف دمج التحول الرقمي والتعليم عن بعد مع طرق التعليم التقليدية، في سياق سرع من تنفيذه تداعيات جائحة فيرس كورونا، وقامت الدولة بتدشين نظم تعليمية جديدة بمناهج جديدة تعتمد على التعليم الإليكتروني من خلال الإنترنت والتابلت في المدارس (والذي تنفذه شركة سامسونج)، وتوجهت الجامعات إلى إقامة كليات خاصة بالذكاء الإصطناعي وتطوير كليات الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات لتستوعب عدد أكبر مع التطوير المستمر للمناهج.
“جميع هذه الخطوات تؤكد الفرص الهائلة التي يمتلكها قطاع التعليم في تحقيق التحول الرقمي”، وفقا لأحمد فتحي، مدير عام شركة ” HPE Aruba”، مشيرا إلى أن تحول الفصول الدراسية إلى بيئة مفتوحة رقمية ستعزز التعاون بين الطلاب والمعلمين سواء داخل الفصل الدراسي أو أثناء التعلم عن بعد، بالإضافة إلى قدرة التحول الرقمي على زيادة مشاركة الطلاب وتوفير ربط عالى الأداء يمكن الاعتماد عليه من أجل دعم تطبيقات التعليم عن بعد التي تتطلب نطاق ترددي عريض.
وأكد المهندس أيمن الجوهري، الرئيس التنفيذي والمدير العام لمنطقة شمال وغرب ووسط أفريقيا والمشرق العربي بشركة سيسكو، أن قطاع التعليم في مصر يتمتع بفرص استثمارية رقمية مع تنامي الاعتماد علي التكنولوجيا، منوها إلى أن التجارب في هذا الإطار أثبتت على مدار الشهور الماضية أهمية دمج منظومة وحلول التعليم عن بعد في التعليم بشكل عام.
من جانبها تقول داليا ابراهيم رئيس مجلس إدارة دار نهضة مصر، أن جائحة كورونا ساهمت بشكل كبير للغاية في تسريع عملية التحول الرقمي في العملية التعليمية بشكل عام حيث ماكنا نأمل أن نقوم به في منظومة التعليم الإلكتروني خلال 3 سنوات مثلا نجحنا في الوصول إليه خلال عام واحد فقط، مشيرة إلى أن الجميع يتجه نحو المنصات الإلكترونية المتنوعة التي تتيح للطالب التواصل مع المدرس، وارتفع الاعتماد على تطبيقات الدردشة بالفيديو وأبرزها زووم، بجانب الاعتماد على المنصات الرقمية التفاعلية التي تضمن آلية سهلة للتواصل بين المعلم والطالب.
– الصناعة
توجه الصناعة المصرية نحو التحول الرقمي أصبح عنصرا رئيسيا لتحديثها ومواكبة مستجدات الثورة الصناعية الرابعة والتي تجمع بين التحول الرقمي والتكامل في المنظومة الرقمية فيما يسمي “سلاسل القيمة”، ولايقتصر هذا التحول على تطبيق التحول الرقمي داخل المؤسسات الصناعية فقط، بل أصبح نظام متكامل يشمل التعليم والابتكار وتطوير المهارات والسياسات الاستثمارية.
من جانبة قال خالد أبو المكارم رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة أنه يمكن للتكنولوجيات الرقمية إحداث تغييرات جذرية فى قطاع الصناعة في مصر وإتاحة الفرص للابتكار وزيادة الإنتاج، بالإضافة إلى تسريع دورات تطوير المنتجات.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يحقق مايطلق عليه تطبيق «التصنيع الذكى» قيمة تتراوح بين 1.2 إلى 3.7 تريليون دولار فى جميع أنحاء العالم بحلول عام 2025 من خلال الكفاءة التشغيلية والصيانة التنبؤية والوقائية، وإدارة سلسلة الإمدادات، وإدارة المخزون واللوجيستيات،وهو ماتحتاج الصناعة المصرية لدمجه داخل منظومتها ويجعلها عنصر جذب لمزيد من الاستثمارات حول العالم في الرقمنة.
ولفت إلى أن التحول الرقمي في الصناعة سيجعل مراحل عملية الإنتاج بالشكل الذى يحد من إهدار مدخلات الإنتاج مما يعظم من الإيرادات ويخفض من تكاليف الإنتاج تحقيق الربط الفعلي بين الصناعة والمؤسسات التعليمية ومراكز البحث العلمي لتقديم حلول وابتكارات ومبادرات لتطوير الصناعة المصرية.
– تجارة التجزئة
أطلقت الدولة الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الانكتاد” والعديد من المنظمات الدولية مثل البنك الدولى وشركة ماستر كارد العالمية في ديسمبر 2017 ، وتستهدف الاستراتيجية بناء الثقة في المدفوعات عبر الانترنت، وتشجيع الموظفين الحكومين على استخدام المشتريات الإلكترونية ، ودعم الإطار القانوني والتنظيمي للتجارة الإلكترونية ، وتعزيز التدريب المهني في مجالات إدارة المتاجر عبر الانترنت والتسويق الرقمي وتحليلات البيانات ، وتحسين توفير انترنت عالي السرعة وتحديث هيئة البريد المصري.
يأتي ذلك في الوقت الذي يرى فيه هشام صفوت مدير عام جوميا مصر أنه مع إزدهار حركة التجارة الإلكترونية مؤخراً، وبالتزامن مع مساهمة قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنحو 5.5% فى إجمالى الناتج العالمى، فإن الشركات المصرية وجدت من التحول الرقمي في مجال التجارة والاعتماد في تسويق منتجاتها على التجارة الإلكترونية مكاسب كبيرة بإمكانها تضاعف الكميات المباعة ووصولها إلى عدد أكبر من المستهلكين بأقل تكلفة وأسرع وقت، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض التكاليف وبالتالي تراجع أسعار السلع والخدمات ، ومن ثم تحسين الكفاءة والفاعلية لهذه الشركات.
من جانبه قال مصطفى هنداوي مدير عام نون مصر، أن مصر لم تكن نسبة نمو قطاع التجارة الإلكترونية فيها تتجاوز الـ 30% سنويا ولكن تعدت نسبة النمو في هذا القطاع الـ 50% خلال أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد ، وهو الأمر الذي شجع فئات جديدة من المجتمع لم تكن معتادة على الشراء من منصات التجارة الإلكترونية على الاعتماد على هذه المنصات وكسر حاجز عدم الثقة الذي كان يحول بينهم وبين استخدامها.
ووفقا لمؤشر المدفوعات الجديدة من ماستركارد والصادر في مايو الماضي، فإن 94% من المستهلكين في مصر يفكرون في استخدام المدفوعات الناشئة مثل المصادقة الحيوية والمحافظ الرقمية وتحويلات الأموال ورموز الاستجابة السريعة إلى جانب المدفوعات اللاتلامسية، بينما قال 68% بأنهم سيكونون أكثر ولاء للتجار الذي يقدمون خيارات دفع متعدد كما أن 83 % من المستهلكين في مصر توفرت لهم طرق دفع أكثر مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي ،و 3 من كل 4 مستهلكين مصريين يقولون بأن أساليب الدفع الرقمية تساعدهم في أساليب التوفير.
وترصد شركة hootsuite في تقرير لها أن 41.4 مليون شخص في مصر قامو بشراء سلع استهلاكية عبر الانترنت بإجمالي قيمة سوقية لشراء السلع تصل إلى 3.3 مليار دولار بزيادة 63.5 % على أساس سنوي.
وأشار محمد عبد العزيز يوسف، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة دي كود، إلى أن حجم التجارة الإلكترونية في مصر سجل خلال عام 2020 أو «عام الجائحة» حوالي 40 مليار جنيه.
– الرعاية الصحية
مع تدشين الحكومة المصرية لنظام التأمين الصحي الشامل الذي يعتمد على استخدام التكنولوجيا، بجانب انتشار تطبيقات حجز مواعيد الأطباء من خلال الإنترنت وأحياناً الكشف من خلال التطبيقات ذاتها، فمن المؤكد أن هذا القطاع لدية المزيد ليقدمة في التحول الرقمي والاعتماد على التكنولوجيا التي من شأنها أن تعزز فاعليته.
وقال يمكن أن يسمح استخدام الأدوات الرقمية والبيانات الضخمة بتوجيه الإنفاق الاجتماعي بشكل أفضل لمن هم في أمسّ الحاجة إليه. يمكنهم أيضًا المساعدة في فرض الشروط المرتبطة ببعض البرامج الاجتماعية، كما يمكن للتقنيات الرقمية ، مثل السجلات الصحية الإلكترونية والوصفات الطبية الإلكترونية والرعاية الصحية عن بُعد، أن تساعد مصر على تحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وجودتها ، لا سيما في المناطق النائية
وتُقدر قيمة صناعة “الصحة الرقمية” بـ80 مليار دولار على مستوى العالم في عام 2017، والتي تمكنت من خفض تكاليف الرعاية الصحية بنحو 7 مليارات دولار سنوياً فى الولايات المتحدة وحدها.
– السياحة
تتجه وزارة السياحة والآثار المصرية للاعتماد بقوة على التكنولوجيا الحديثة للترويج للمناطق السياحية والأثرية في مصر، وهي وسائل الترويج والدعاية الأسرع والأكثر انتشارا والأدق استهدافا للعملاء والأنجح والأقل تكلفة كذلك حاليا.
وبفضل الترويج للسياحة المصرية أونلاين، جذبت مصر نصف مليون سائح تقريبا خلال الفترة بين مارس ويونيو الماضي، لذا فقد تعاقدت الوزارة مع تحالف دولي للترويج السياحي لمصر لمدة 3 سنوات.
ونشير في الانفوجراف المقبل عملية التحول الرقمي التي تسيطر على قطاع السياحة المصري لمزيد من التوضيح:
5 مكاسب رئيسية يحققها الاقتصاد المصري من التحول الرقمي
– انفتاح السوق
تعمل التقنيات الرقمية على تغيير البيئة التي تتنافس فيها الشركات وتتاجر وتستثمر فيها، و تلعب سياسات انفتاح الأسواق المتعلقة بالتجارة والاستثمار والأسواق المالية والمنافسة والضرائب دورًا مهمًا في ضمان وجود الظروف المواتية لازدهار التحول الرقمي، ويؤثر التحول الرقمي أيضًا على مجالات سياسة انفتاح السوق، مما يزيد من الفرص ويطرح التحديات، ويمكن للحكومة المصرية الاستفادة من المراجعة الدورية لسياسات انفتاح السوق واستراتجيات الاستثمار، وتحديثها للتأكد من أنها مناسبة تمامًا لجعل التحول الرقمي يعمل من أجل النمو والرفاهية.
– تخفيض الإنفاق
يساعد التحول الرقمي بشكل مباشر في خفض تكاليف الأعمال من كافة الأوجه، من خلال استخدامات الحوسبة السحابية والبلوك تشين والبيج داتا وغيرها من التقنيات الحديثة، حيث أنها تمكن الشركات من تخفيض تكاليف التشغيل والتوظيف، وإدارة الأعمال التشغيلية بالشكل الأمثل وزيادة قدرة الشركات على انجاز مستهدفاتها بجودة أعلى وتكلفة أقل.
– زيادة الكفاءة والإنتاجية
يساهم التحول الرقمي في زيادة كفاءة وإنتاجية شركات القطاع الخاص من خلال توفير الوقت المبذول في إدخال البيانات بشكل يدوي، واستبداله بعمليات الكترونية سريعة، فضلاً عن استخدام أدوات التحول الرقمي الحديثة مثل الـ BIG Data والتي تسمح للشركات بتحليل بيانات عملائها وتلبية متطلباتهم، مما ينعكس إيجابًا على زيادة عدد عملاء الشركة وبالتالي زيادة الإنتاجية ومن ثم ارتفاع الأرباح.
– زيادة رضا العملاء
يعد رضا العملاء أحد الأسباب الأساسية للتحول “رقمياً”، نظرًا لأن رضا العملاء يعتمد بشكل أساسي على وصول الخدمات إليهم بسهولة ويسر ودون بذل مجهود أو وقت كبيرين، وهذا هو أحد المحاور التي يوفرها التحول الرقمي للشركات، حيث تتيح التكنولوجيا لعملاء الشركات الاقتراب من العلامات التجارية وإقامة علاقة ولاء أقوى من خلال استخدام الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى إمكانية تحليل بيانات الأفراد من خلال مواقع التواصل وتفضيلات كل عميل وهو ما تعتمد عليه الشركات في تركيز انتاجها لخدمات مخصصة لعملاءها وإرسال العروض الخاصة عن طريق الرسائل القصيرة والبريد الإلكتروني، مما يجعل العميل يشعر بخصوصية.
– فرصة للابتكار
عندما تقوم الشركة بتنفيذ استراتيجية التحول الرقمي في أعمالها، فإنها تكون قادرة على إدراج تحسينات في عملياتها، وبالتالي تشجيع الابتكار، كما أن ادخال تقنيات جديدة في أنظمة الشركات يوفر لديهم مجال أوسع لتطوير منتجاتهم وخدماتهم، مما ينعكس على زيادة قاعدة العملاء وزيادة الانتاجية والأرباح.
9 تحديات رئيسية تعرقل التحول الرقمي في مصر
ومن خلال أكثر من 10 مقابلات تلفونية منظمة قام بها فريق عمل “FollowICT”، مع العديد من قيادات الشركات وخبراء الصناعة، وجدنا أنه على الرغم من تحقيق تحسن ملحوظ في مؤشرات الحكومة الإلكترونية، مع التركيز بشكل كبير على التقدم التكنولوجي، إلا أن هناك العديد من المعوقات والفجوات في التحول نحو التحول الرقمي الكامل.
– العنصر البشري غير المؤهل
رغم الجهود الحكومية في هذا الإطار وطرح العديد من المبادرات التدريبة والتأهيلية في كافة محافظات الجمهورية لايزال شريحة واسعة من المجتمع المصري غير مؤهلة بشكل كبير لمتطلبات الرقمنة وندرة المواهب التكنولوجية، وهو ما يتطلب مزيد من الدعم المقدم من كافة الجهات الفاعلة في حركة الاقتصاد المصري سواء من الحكومة أو القطاع الخاص، خاصة في ظل حالة التوسع التي تشهدها الأنشطة الاقتصادية في عملية التحول الرقمي.
وهو ما يشار إليه في قراءة تصريحات الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أمام مجلس النواب، فإن الدولة تستهدف خلق كوادر تكنولوجية في كافة المجالات حيث يتم العمل على تدريب 115 ألف متدرب بتكلفة 400 مليون جنيه في العام المالي الجاري وفقا لمنهج هرمي يتدرج في مستوياته بدءا بإتاحة برامج تدريب أولية، ثم برامج تدريب تكنولوجى متوسط من خلال مدارس التكنولوجيا التطبيقية، يليها برامج تدريب تكنولوجي متقدم ومنها برنامج تدريب متخصص في الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع كلية علوم الحاسب بفرنسا ومبادرة مستقبلنا رقمي.
ويتم التدرج في المنهج الهرمي حتى الوصول إلى إتاحة تعليم جامعي متخصص في التكنولوجيات الحديثة من خلال جامعة مصر المعلوماتية وهي أول جامعة معلوماتية متخصصة في أفريقيا والشرق الأوسط ويتم إنشاؤها في مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة باستثمارات 8 مليار جنيه، ثم التدرج وصولا إلى قمة الهرم من خلال تنفيذ مبادرة بناة مصر الرقمية التي تستهدف منح ماجستير عملي متخصص لألف دارس سنويا.
– التهديدات الأمنية
كشف مؤشر «الأمن السيبراني GCI» الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات «ITU» عن احتلال مصر خلال العام الماضي المركز 23 عالميا بين 182 دولة بـ 95.45 درجة، وهو مايشير إلى نجاح كبير في عملية التوسع في تطبيق التحول الرقمي وضخ الشركات مزيد من الاستثمارات في تأمين بينتها المعلوماتية.
إلا أن الدولة المصرية لم يواجهها اختبارات حقيقية في الهجمات الإلكترونية بعد وإن كان يحدث ذلك من حين لأخر، إلا أنه سيظل عنصرا مهددا لعملية التحول الرقمي مع تنامي الهجمات الإلكترونية ونجاحها في اجتياز العديد من الدول المتقدمة حول العالم سواء على مستوى الأفراد او الشركات أو حتى المؤسسات السيادية والحكومية، حيث أصبحت المجتمعات مكشوفة بشكل كامل أمام المؤسسات الاقتصادية والسياسية وشركات تحليل البيانات، والتي تمكنت خلال الآونة الأخيرة من استخدام بيانات المواطنين الموجودة على مواقع التواصل الإجتماعي لتحقيق أغراض اقتصادية وسياسية.
– البنية التحتية التكنولوجية
على الرغم من استثمار مليارات الجنيهات والتي تصل لـ 30 مليار جنيه خلال العام 2019- 2020 في البنية التحتية الرقمية لمصر وتقدم رتيب مصر 5 مراكز في مؤشر الإنترنت الشامل 2021، لتصبح في المركز 73 بين 120 دولة مقارنة بالمركز 78 عن العام السابق، إلا أن المواطنين ما زالوا يواجهون مشاكل كبيرة في العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة، حيث تسيطر جملة “السيستم واقع” في العديد من الحالات، وهو ما يضعف الثقة في عملية التحول الرقمي بشكل كامل ويشير بقوة إلى حاجتنا لمذيد من الاستثمار في هذا الاتجاه لكي بتناسب مع أهداف الدولة المصرية في عملية التحول الرقمي.
ونحتاج في هذا الإطار إلى ما يسمى بكتلة “البناء المتكاملة للتحول الرقمي”، والتي تعني الاستفادة من الفوائد ومعالجة تحديات التحول الرقمي ودعم البنية التحتية وخدمات الاتصالات، وتسهل التفاعلات بين الأشخاص والمؤسسات والآلات.
ونظرًا لأن البنى التحتية والخدمات للاتصالات الموثوقة ضرورية للتحول الرقمي ، فإن أول كتلة بناء متكاملة تتعلق بالوصول إلى البيانات والبنى التحتية للاتصالات والخدمات (مثل توصيل الألياف الضوئية والأبراج والطيف والكابلات الدولية)، بما في ذلك شبكات اتصالات عريضة النطاق تتسم بالكفاءة والموثوقية ويمكن الوصول إليها على نطاق واسع والخدمات والعوامل التمكينية الرئيسية التكميلية (مثل النظام المنسق لأسماء النطاقات الدولية، وزيادة الإقبال على عناوين الإنترنت IPv6، ونقاط تبادل الإنترنت)، والبيانات، والبرمجيات، والأجهزة.
– الوضع الثقافي والتعليمي
قامت الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة بتطبيق الرقمنة في العديد من القطاعات والخدمات سواء في المدفوعات الحكومية أو منظومة صرف المرتبات والمعاشات والخدمات الاجتماعية والصحية الهامة، إلا أننا مازلنا نواجة فجوة هائلة بين الوعي الرقمي لفئات كثيرة من المواطنين وآليات التحول الرقمي التي تسعى الدولة لتطبيقها في المستقبل القريب، ونرصد ذلك من خلال العديد من الممارسات في تفضيل الأسخاص الحصول على الكاش، أو حتي التعامل مع ماكينات الصراف الألي بشكل خاطئ مما يعمل على كثرة أعطالها في كثير من الأحيان، ومحدودية استخدام المحافظ الإلكترونية وغيرها من الخدمات الرقمية.
وقام الرئيس عبدالفتاح السيسي في هذا الشأن بتدشين خطة تهدف لنشر الوعي بأهمية التحول الرقمي، والتعرف على آليات وطرق تنفيذه، وقيام وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالشراكة مع وزارة التعليم وشركات القطاع الخاص في تعزيز مناهج التعليم في المراحل المختلفة للتوعية بالاستخدام الآمن للإنترنت والتعامل مع العالم الرقمي، فلكي يعمل التحول الرقمي من أجل النمو والرفاهية، من الضروري أن تدعم السياسات العامة مجتمعًا رقميًا إيجابيًا وشاملًا، ويجب النظر في مجالات السياسة المتعددة: السياساات الاجتماعية (مثل الإسكان والرعاية الاجتماعية) ، والتعليم والمهارات، وسياسات الضرائب والمزايا، والبيئة، والصحة، والحكومة الرقمية.
– غياب الاستثمارات المحلية القوية في قطاع التكنولوجيا
على المستوى العالمي تصدر قطاع الاتصالات والتكنولوجيا قائمة الاستثمار عالميا خلال الـ 10 سنوات الماضية، لتحتل شركاته قائمة الأكبر في العلامات التجارية على مستوى العالم، إلا أن اتجاه الاستثمار بالقطاع في السوق المصري أخذ منحى آخر بسبب غياب رؤوس الأموال الكبيرة من الاستثمار في القطاع سواء من رجال الأعمال المصريين والمصنفين دوليا، أو حتى من صناديق استثمارية كبرى.
والنتيجة تواجد العديد من الشركات العالمية في السوق المصري التي تحقق أرباحا وتستحوذ على معظم أعمال مشروعات التحول الرقمي وغيرها، وتمثيل يمكن وصفه بالمشرف لبعض الشركات المصرية التي لا تملك القدرة على المنافسة أو تتمتع بالملائة المالية أو الفنية، باستثناء عدد محدود جدا من الشركات، ومن حكم المستحيل أن يحظى اقتصاد دولة ما باهتمام عالمي إذا لم تتقاطع أهدافه وخططه مع قطاع التكنولوجيا الذي سيطر على جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ووفقًا لدراسات عدد من بنوك الاستثمار، فإن الاستثمارات المحلية في الاقتصاد الرقمي في العالم العربي ومنها مصر أقل من الهند بـ10 أضعاف، وأضعف من الصين بـ15 مرة، وتزداد الفجوة اتساعًا وعمقًا عند مقارنتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسبقها بـ200 ضعف.
– ضعف الثقة
الثقة أمر أساسي للتحول الرقمي وبدونها لن يستخدم الأفراد والشركات التقنيات الرقمية بالكامل، مما يترك مصدرًا مهمًا للنمو المحتمل والتقدم الاجتماعي غير المستغل، وهو ما نفقده في قطاعات عريضة في السوق المصرية نتيجة ضعف الوعي في العديد من المحافظات.
وهو ما يستدعي زيادة التعاون بين اللاعبين الرئيسيين في عملية التحول الرقمي وزيادة الحوافز في هذا الإطار عبر استراتيجيات شاملة ومتماسكة للأمن والخصوصية الرقمية لمعالجة قضايا مثل حماية البيانات الشخصية، ومرونة الخدمات الأساسية (مثل المياه والطاقة والتمويل والصحة العامة و السلامة)، وإنشاء الحوافز(مثل التأمين الإلكتروني،والمشتريات العامة)، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة،وتنمية المهارات ذات الصلة، بالتشاور مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين في الوقت نفسه.
ومن المهم الاستمرار في تعزيز الحماية الفعالة للمستهلكين المشاركين في التجارة الإلكترونية وغيرها من الأنشطة عبر الإنترنت، حيث سيساعد ذلك الاقتصاد الرقمي على الازدهار وأن يكون أكثر شمولية.
– التكلفة المرتفعة لتمويل التحول الرقمي
تعد التكلفة المرتفعة لعملية التحول الرقمي من أبرز التحديات التي تواجه القطاع على مستوى الحكومة أو القطاع الخاص، فعلى المستوى الحكومي تعاني بعض الهيئات من ضعف المخصصات المالية لهذا التوجه، وقد تتوافق الأموال المطلوبة لتنفيذ إجراء استراتيجي واحد مع الميزانية المخصصة لأكثر من مشروع أو وزارة في الفرع التنفيذي.
– الفجوات في البيانات
تعاني الدولة حتي الآن من تواجد فجوات في البيانات الخاصة بعملية التحول الرقمي وفقا لتصريحات عدد من المسئولين، حيث أن البيانات تحتاج لكثير من المحددات لقراءتها بطريقة سليمة، وتكوين طبقة من علماء البيانات.
– الاقتصاد غير الرسمي
الكثير من الشركات المصرية تتأخر كثيرا عن ركب التحول الرقمي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض استيعاب الشركات الصغيرة والمتوسطة “SMEs” والتي تمثل أكثر من 70 % من الاقتصاد المصري، لاستخدامات الإنترنت والتقنيات الرقمية وأساليب العمل المتقدمة والتي تحتاج لمزيج من التقنيات الرقمية والروبوتات وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات لتحسين عمليات الإنتاج وجودة المنتج.