Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

باسل عبد الكريم يكتب: النفط مقابل الذكاء الاصطناعي!

في زمنِ التحوّلات المتسارعة، يقفُ العالم اليوم على أعتاب ثورة جديدة لا تُقاس خلالها الدول بحدودها الجغرافية وثرواتها الأرضية أو بما تحت أقدامها من آبار نفط، بل تُقاس بما في رؤوس أبنائها من أفكار وقدرات. فالذكاء الاصطناعي، والاقتصاد المعرفي، والابتكارات التكنولوجية باتت هي مفاتيح القوة الجديدة. وهنا، كمواطنٍ عربي اطرح سؤالاً وجودياً: هل سنكون ضمن صُنّاعِ هذه الثورة! أم مُجرّدَ مستهلكين لها؟

وفي الحقيقة المنطقةُ العربية، التي لطالما عُرفت بثرواتها الطبيعية، تمتلك اليوم فرصةً نادرة لإعادة تعريف موقعها في العالم من خلال الاستثمار في العقول. فما بعد النفط لا يعني الانهيار، بل يمكن أن يكون بدايةً لازدهار من نوع جديد، ومن المؤكد أن العالم لا يحتاج فقط إلى الطاقة، بل إلى الحلول والخوارزميّات والمنصات والتطبيقات والابتكارات.

في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، لم تكن بغداد مزدهرة فقط بالقصور، بل بالمختبرات وبيوت الحكمة. وأحد أبرز الأمثلة هو العالم العربي الحسن بن الهيثم، الذي دعا إلى منهجية التجريب والاستقصاء العلمي، في وقتٍ كانت فيه أوروبا غارقة في ظلمات القرون الوسطى، ورسالته للعالم كانت بسيطة، “لا تنهضُ الأُممُ إلّا بالعلمِ والتجربة”.

هذا المثال التاريخي يُذكرنا بأن ريادة الفكر والابتكار ليست غريبة عن المنطقة العربية، بل جزءٌ أصيل من تراثها. ولكن وفي ذات السياق هذا لا يعني ايضاً أننا أُممٌ تَرزَحُ تحت امجاد الماضي ولا تملك مفاتيح المستقبل، ومن يؤمن بهذا المنطق في تفكيره! فليقرأ جيداً في تجربة دولة الإمارات التي يَسطَعُ نجمها كلما هَمَّ كاتبٌ عربي أو عالمي في الكتابة عن التقدم والحضارة.. هذه الدولة التي لم تكتفِ بأن تكون وجهة يُقبل عليها زوار العالم من القارات السبع، بل دخلت بقوة في سباق الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، وأطلقت برامج لإعداد أجيال متمكنة من أدوات المستقبل، وشكلت أول وزارة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وفي الأمس القريب اطلقت حكومة دولة الإمارات أول منظومة تشريعية ذكية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين في الدولة، وربطها عبر الذكاء الاصطناعي بكافة الإجراءات والخدمات المقدمة للجمهور، وفي الحقيقة الحديث عن حكاية الإمارات في فصول التقدم والحضارة والاستثمار في الإنسان تطول كثيراً بما لا يتحمله هذا المقال.

وكذلك هناك سنغافورة التي انتقلت من دولة فقيرة بالموارد إلى قوة معرفية رائدة عبر الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وكوريا الجنوبية التي انتقلت من الاعتماد على النفط، إلى الاعتماد على العقول، حتى أصبحت من أكبر منتجي التكنولوجيا في العالم.

مؤشرات المستقبل تقول لنا اليوم بوضوح: بينما ينضب النفط ببطء، تتسارع وتيرة الذكاء الاصطناعي، وتحل الخوارزميات مكان المحركات، لذلك ليس أمام الحكومات العربية إلا خيار واحد: وهو أن تؤمن بأن العقول أغلى من آبار النفط، وأن المستقبل سيكون حقيقة لمن يجرؤ على التفكير بما هو قادم من بعيد!.

في الماضي وقبل قرون كتب ابن رشد: “العقلُ نور، ولا يُطفأ النور إن اشتعل”. وفي الحاضر قال محمد بن راشد: “ثروتنا الحقيقية في عقولنا، وليس فيما نملك من ثروات طبيعية… والرّهانُ الحقيقي هو على الإنسان المتعلم، المبتكر، القادر على بناء المستقبل.” فمتى تُشعل المدنُ العربية مصابيحَها مثلما فعلت دبي؟

باسل عبد الكريم

كاتب رأي

The short URL of the present article is: https://followict.news/jt5m