Follow ICT
شعار الموقع الاساسى
جايزة 160
جايزة 160

بارمي أولسون تكتب: تباطؤ الذكاء الاصطناعي فرصة للجميع.. عدا عمالقة التكنولوجيا

قامت طفرة الذكاء الاصطناعي التي تُقدر قيمتها بتريليونات الدولارات على اعتقاد بأن النماذج التوليدية ستواصل التطور بوتيرة سريعة، لكن ذلك لم يحدث.

ببساطة، يفترض قانون الزيادة المطردة، أن تزويد نموذج للذكاء الاصطناعي بمزيد من البيانات وقوة الحوسبة سيؤدي إلى تحسن مستمر في قدراته.

لكن مجموعة التقارير الصحفية التي صدرت مؤخراً تشير إلى أن هذا الافتراض لم يعد صحيحاً، حيث يجد كبار مطوري الذكاء الاصطناعي أن أداء نماذجهم لا يتحسن بنفس القدر الكبير الذي اعتادته.

وبحسب تقرير نشرته “بلومبرج نيوز”، فإن نموذج “أوريون”  التابع لشركة “أوبن إيه آي” ليس أفضل كثيراً في البرمجة من النموذج السابق “جي بي تي-4” ، بينما لم تشهد شركة “جوجل” التابعة لـ”ألفابت” سوى تحسن طفيف في تطبيق “جيميناي”، وتأخرت شركة “أنثروبيك”  المنافسة الرئيسية لهما، في إطلاق نموذجها المنتظر “كلود” .

في الأشهر القليلة الماضية، قال لي مسؤولون تنفيذيون في “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” و”جوجل” دون تردد، أن تطوير الذكاء الاصطناعي لم يصل إلى مرحلة الثبات. لكنها تصريحات متوقعة منهم بالطبع. والحقيقة أن المخاوف التي ساورتنا لفترة طويلة من تضاؤل عوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ما تنبأ به بيل غيتس نفسه، تتحقق الآن.

وقد قال إيليا سوتسكيفر، أيقونة الذكاء الاصطناعي ومروج فكرة “الأكبر أفضل” لبناء نماذج لغوية كبيرة، لوكالة “رويترز” إن هذا الاتجاه بلغ مداه الأقصى. وقال إن “العقد الثاني (من الألفية الحالية) كان عصر التوسع. أما الآن فقد عدنا إلى عصر التساؤل والاكتشاف”.

وعبارة عصر “التساؤل والاكتشاف” طريقة إيجابية لقول “لا فكرة لدينا عن الخطوة التالية”. وقد تسبب العبارة -وهو أمر مفهوم- نوبات قلق للمستثمرين والشركات، الذين يُنتظر منهم إنفاق تريليون دولار على البنية التحتية اللازمة لتحقيق وعود الذكاء الاصطناعي بإحداث تحول في كل شيء. وأظهر تحقيق أجرته “بلومبرغ نيوز” مؤخراً أن بنوك وول ستريت وصناديق التحوط وشركات الملكية الخاصة تنفق مليارات الدولارات على بناء مراكز ضخمة للبيانات.

هل هذا يعني أنها مقامرة خاسرة؟ ليس بالضبط.

لا شك في أن أكبر شركات التكنولوجيا في العالم هي المستفيد الرئيسي من طفرة الذكاء الاصطناعي. سجلت الإيرادات الفصلية لخدمات التخزين السحابي لدى شركات مثل “مايكروسوفت” “جوجل” و”أمازون” نمواً مطرداً، في حين قفزت قيمتها السوقية، بالإضافة إلى شركات “إنفيديا” و”أبل” و”ميتا بلاتفورمز”، بما بلغ مجموعه 8 تريليونات دولار خلال العامين الماضيين. لكن العائد على الاستثمار بالنسبة لكل من سواهم -أي العملاء- لم يظهر بعد.

قد يكون مفيداً أن يهدأ ضجيج السوق حول الذكاء الاصطناعي بعض الشيء، كما حدث مع ابتكارات تكنولوجية سابقة، لأن التكنولوجيا في العادة لا تصطدم بعائق وتموت، بل تمر بما يُعرف باسم “منحنى إس” .

فكرة هذا المنحنى هي أن التقدم الأولي يستغرق سنوات قبل أن يتسارع بشدة، كما حدث مع الذكاء الاصطناعي التوليدي في العامين الماضيين، ثم يتباطأ مرة أخرى ويتطور، وهذا هو المهم.

على سبيل المثال، قال معارضو “قانون مور” (نسبة إلى جوردون مور أحد مؤسسي إنتل) على مدى سنوات، إن القانون قد ذهب بلا رجعة، قبل أن تحدث نقلة في تصنيع الرقائق فتعيده إلى الواجهة من جديد.

وبالمثل، أحرز تطوير الطائرات تقدماً بطيئاً جداً، حتى جاء التحول من مراوح الدفع إلى المحركات النفاثة في أواخر الخمسينيات ليحدث قفزة، قبل أن تصل التكنولوجيا في ما يبدو لمرحلة ثبات. لكن تطور صناعة الطيران، مثل تصنيع الرقائق تماماً، لم يتوقف بل شهد تحولاً. فقد أصبحت طائرات الركاب أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وأكثر أماناً، وأقل تكلفة في تشغيلها، حتى لو لم تزد سرعتها كثيراً عن طائرات الستينيات.

حدوث ثبات مشابه في تطور الذكاء الاصطناعي وقوانين نموه المطرد، قد يعني أيضاً ظهور نهج جديد في التطوير وقياس النجاح، الذي يركز حتى الآن على القدرات بصورة أكبر من اللازم، بينما لا يركز بما يكفي على جوانب أخرى كالسلامة على سبيل المثال. بعض نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الأكثر تقدماً بها قصور في جوانب شديدة الأهمية مثل الأمن والإنصاف، وفقاً لدراسة أكاديمية حديثة تقيس مدى توافقها مع المعايير التي حددها قانون الذكاء الاصطناعي المرتقب في أوروبا.

لفترة طويلة من العام الجاري، استكشف الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي مسارات جديدة لتحسين نماذجهم لا تعتمد على إمداد النماذج بمزيد من البيانات وقوة الحوسبة فحسب. أحد هذه الأساليب هو التركيز على تعزيز أداء النموذج بعد الانتهاء من تدريبه، والمعروفة بمرحلة الاستدلال. وقد يتضمن ذلك منح النموذج وقتاً إضافياً لتحليل احتمالات متعددة قبل الوصول إلى إجابة. ولهذا السبب، وصفت “أوبن إيه آي” نموذجها الأحدث “أو 1” (o1) بأنه الأفضل من حيث “التفكير المنطقي”.

جمال منحنى “إس” يكمن في قدرته على إعطاء الجميع فرصة لالتقاط الأنفاس بدلاً من السعي المحموم وراء أحدث التقنيات لإحراز السبق على المنافسين. الشركات التي كانت تختبر الذكاء الاصطناعي التوليدي وتبحث عن طرق لتعزيز إنتاجيتها، لديها الآن بعض الوقت لإعادة تصميم عملياتها وتدفقات العمل، للاستفادة بصورة أكبر من نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية، التي تتمتع بالفعل بقدرات كبيرة. (تذكر أن الشركات استغرقت أعواماً لتتبنى أجهزة الكمبيوتر في أعمالها خلال الثمانينيات).

يشير البروفيسور إريك برينجولفسون من “جامعة ستانفورد” في كتاباته عن “مفارقة الإنتاجية” إلى أن الإنتاجية غالباً ما تتعثر أو تتراجع في ما يبدو عند ظهور تقنيات رئيسية جديدة، قبل أن تسجل قفزة كبيرة. ومن شأن الثبات المؤقت في الذكاء الاصطناعي أن يتيح للشركات مساحة أكبر في مرحلة الاستثمار شديدة الأهمية.

كما أن هذا التباطؤ يمنح الجهات التنظيمية الوقت اللازم لوضع ضوابط أكثر فعالية. على سبيل المثال، يحتاج قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، المتوقع سريانه اعتباراً من عام 2026، أن يكون أكثر تحديداً في تعريفه للأضرار التي قد تنجم عن هذه التقنيات. وفي ظل عمل هيئات المعايير على ذلك، من المفيد ألا تكون النماذج الجديدة، التي قد تتسبب في مشكلات غير متوقعة، على وشك إغراق السوق.

انطلق الذكاء الاصطناعي التوليدي كقطار فائق السرعة على مدى العامين الماضيين، ومن الواضح أن مسيرته كانت مربحة جداً لشركات التكنولوجيا العملاقة. لكن من شأن تهدئة القطار لسرعته عند المحطة أن تمثل استراحة تشتد حاجة كل من سواهم إليها.

بارمي أولسون
كاتبة في بلومبيرج في مجالات التكنولوجيا

deel