يشهد مجال الذكاء الاصطناعي في مصر نموًا نوعيا خلال الفترة الماضية مدعوما بالاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى تعزيز القدرات التنافسية لمصر وزيادة الاستثمار في هذا المجال، إلى جانب الخطوات الاستراتيجية التي تبنتها الدولة على مستوى الخطط التنفيذية لتطوير البنية التحتية والتوسع في التقنيات الرقمية وجذب استثمارات كبري في مجالات مراكز البيانات ذات القدرات المناسبة للذكاء الاصطناعى اعتمادا على تميز الموقع الجغرافي لمصر، وأخرها تقديم مصر اقتراح لإنشاء مجلس الوزراء العرب للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات البازغة تحت مظلة جامعة الدول العربية.
ومن المتوقع وفقا لتقارير رسمية أن تصل قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في مصر إلى 4.40 مليار دولار في مصر إلى بحلول عام 2031، كما يتوقع أن تسهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بنسبة 7.7% من الناتج المحلي في مصر، بحسب مؤسسة برايس ووتر هاوس للاستشارات، مما يعكس توفير بيئة تشغيل نوعية للشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجال واستقطاب المواهب والموارد البشرية المؤهلة، إلى جانب تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي نمو القطاعات الاقتصادية الرئيسية عبر تطوير نظم الإنتاج والتشغيل والوصول إلى أفضل الممارسات في كل الصناعات.
وهو مايتوافق مع توجيهات الرئيس السيسي الأخيرة أغسطس الماضي، بضرورة وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ لتطبيق الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على البحث والتطوير والتدريب، وضمان الاستخدام الأمثل للموارد ، خاصة مع إصدار النسخة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي مطلع 2025 والتي تسعى إلى إنشاء نظام بيئي شامل للذكاء الاصطناعي يرتكزعلى 6 محاور، تشمل الحوكمة والتكنولوجيا والبيانات والبنية التحتية والنظام البيئي والمهارات، وتأتي استكمالا لإطلاق الرئيس النسخة الأولى من الاستراتيجية في 2021 والتي استندت على 4 ركائز، هي: الذكاء الاصطناعي من أجل الحكومة ، ومن أجل التنمية، وبناء القدرات، والعلاقات الدولية وذلك عقب تشكيل المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي التابع لمجلس الوزراء منذ 6 سنوات، وماأعقبه من إطلاق الميثاق المصرى للذكاء الاصطناعى المسئول فى 2023 وإنشاء مركز الابتكار التطبيقى.
استراتيجية شاملة
الخبراء، أشاروا إلى أن الوضع الحالي مناسب تماما للانطلاق نحو استراتيجية شاملة لتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي في ظل الحاجة لبناء اقتصاد حديث يستوعب التطورات الحالية، ويتناسب مع السياسية النقدية والمالية المحفزة للنمو بعد فترة من تداعيات سلبية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيرين إلى قدرة مصر على حشد كافة قدراتها لزيادة صادراتها الرقمية عبر دعم الشركات الناشئة وتدشين حاضنات أعمال أكثر قدرة على تأهيل وتطوير الأفكار، إلى جانب تطوير منتجات ذكاء اصطناعي للأسواق الخليجية والأفريقية، وتقديم خدمات التعهيد في هذا المجال.
ولفتوا إلى أن هناك المزيد من الحاجة للعمل على حوافز إضافية خاصة في ظل المنافسة الإقليمية والعالمية في هذا المجال ، والتي يأتي أبرزها في ضرورة توفير وتسهيل استيرات المنتجات اللازمة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومنح حوافز ضريبة تشجع المستثمرين على ضخ استثمارات، وأيضا إقرار العديد من التشريعات المشجعة والتي تضمن تشجيع الاستثمار وأيضا حماية البيانات ، إلى جانب إحداث ثورة في التعليم التخصصي في هذا المجال خاصة أن مصرتضم حاليا 12 كلية للذكاء الاصطناعي.
وثمن الخبراء الخطوة التي اتخذتها الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بإدراج مادة الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية لصفوف التعليم الثانوي العام المقبل، تمهيدًا لدمجها في مراحل التعليم الأساسي اعتبارًا من العام الدراسي 2025/2026، مشيرين إلى أن تزويد الطلاب بأساسيات البرمجة وعلوم الذكاء الاصطناعي سيمكنهم من فهم أعمق للعالم الرقمي، ويفتح لهم آفاقًا واسعة في سوق العمل المستقبلي كما سيضمن تعزيز مسارات التنمية الشاملة التي تببناها الدولة على مستوى الاقتصاد الكلي والتشغيل.
التوسع التدريجي
وأكدوا إلى أن هناك حاجة للتوسع التدريجي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الصناعة والطاقة والتجارة والمجالات المالية لضمان تحول أعمق في الاقتصاد خلال السنوات المقبلة منوهين إلى أن الذكاء الاصطناعي يتركز حاليًا في قطاعات مثل التسويق الرقمي وخدمات العملاء والتعليم.
وكشفت دراسة صادرة عن كي بي إم جي ، إحدى شركات المحاسبة العالمية، أن مصر تحتل المرتبة الثالثة من أصل 47 اقتصادًا، بعد نيجيريا والهند، من حيث الثقة والتعامل عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي بمختلف البلدان، موضحة أن مصر تفوقت في الترتيب على الصين والإمارات والسعودية، إذ أظهرت البيانات أن الثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي في مصر بلغت 71%، فيما جاءت نسبة قبول الذكاء الاصطناعي لدى المصريين 61% ، وهو مؤشر حيوي يعطي انطباع مؤسسي باستيعاب مصر لهذه التكنولوجيا.
وتقدمت مصر 46 مركزاً في مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي، لتحتل المركز 65 عالمياً في عام 2024 مقارنةً بالمركز 111 في عام 2019، وذلك وفقاً لتقارير صادرة عن مؤسسة أكسفورد.
ويشهد القطاع على المستوى الدولي، سباق محموم بين الولايات المتحدة والصين للسيطرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي باعتباره وفقا للمتخصصين من أكثر الصراعات الجيوسياسية أهمية في القرن الواحد والعشرين، خاصة مع تسارع تقدم هذه التكنولوجيا و تأثيراتها المباشرة على الاقتصاد، والأمن الوطني، والهياكل المجتمعية للدول، وذلك في ظل ضخ استثمارات مليارية من جانب الحكومات والشركات في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، وتمويل الشركات المتخصصة في هذا المجال، ناهيك عن المفاجئات التي زلزلت أركان الاقتصاد العالمي ، كتطبيق ديب سيك الصيني الذي أحدث صدمة في قطاع التكنولوجيا العالمي بعد طرح نموذج ذكاء اصطناعي يتميز بكفاءته العالية وتكلفته المنخفضة، مما جعله منافسًا قويًا لنماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة مثل شات جي بي تي من أوبن اي وجيمني من جوجل.
قالت المهندسة هالة الجوهري، الرئيس التنفيذى الأسبق لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “ايتيدا”، أن مصر وضعت أسسًا قوية جدًا لتوطين الذكاء الاصطناعي، بدءا من اعتماد الاستراتيجية القومية للذكاء الاصطناعى إلى مجال بناء القدرات البشرية من حيث إدماجه فى التعليم الأساسي، إطلاق برامج التدريب لمختلف الأعمار والاهتمام بإنشاء الجامعات المتخصصة وغيرها من المبادرات التى عززت من مكانة مصر لتكون مركزا إقليميا رائدا منوهة إلى أن هناك المزيد من الخطوات لتعزيز مكانتها لتكون لاعبا مؤثرا على مستوى العالم.
خطوات عملية
وأضافت ، لتنفيذ الإصدار الثاني من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2024-2030) بشكل فاعل وتحقيق أهدافها الطموحة، يجب اتباع خطوات عملية ومترابطة تركز على التحول من التخطيط إلى التنفيذ الفعلي مع قياس الأثر وذلك عبر إعادة الهيكلة المؤسسية وتعزيز الحوكمة عن طريق تفعيل المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي فى صورة هيئة تنفيذية ذات صلاحيات أوسع وميزانية مخصصة، مسؤولة مباشرة عن متابعة تنفيذ الاستراتيجية وتذليل العقبات، إلى جانب التركيز على التطبيقات القابلة للتطوير على أرض الواقع عن طريق اختيار 2-3 مشاريع رائدة لكل قطاع رئيسي والتركيز على مشاريع محددة ذات أثر واضح وقابل للقياس، ويجب ربط التمويل بالنتائج.
وأشارت المهندسة هالة الجوهري إلى ضرورة معالجة فجوة البيانات عن طريق وضع سياسة وطنية للبيانات المفتوحة مع ضمان الخصوصية والأمان وإنشاء منصة وطنية للبيانات لتجميع مجموعات البيانات غير الحساسة والمفيدة للباحثين والمطورين (مثل بيانات الطقس، الأسعار الزراعية، خرائط المرور المجهولة المصدر) إلى جانب جذب الاستثمار والشراكات الاستراتيجية وبناء القدرات البشرية المتقدمة (Advanced Capacity Building) عن طريق برامج الدراسات العليا التطبيقية: بالشراكة مع الشركات العالمية (مثل برامج الماجستير المهنية في الذكاء الاصطناعي التطبيقي).

ونوهت إلى ضرورة وضع الأطر التنظيمية والأخلاقية عن طريق إنشاء “حاضنة تنظيمية” خاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تسمح للشركات الناشئة بتجربة منتجاتها في بيئة حقيقية ولكن تحت إشراف regulator ولمدة محددة، دون الخضوع فورًا لكافة التشريعات الصارمة، إلى جانب إصدار مبادئ توجيهية أخلاقية واضحة: حول استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة في المجالات الحساسة مثل المراقبة والتشخيص الطبي، لبناء الثقة المجتمعية.
ولفتت إلى أن استضافة فعاليات دولية كبيرة: مثل مؤتمر ومعرض دولي سنوي للذكاء الاصطناعي في أفريقيا والشرق الأوسط، لجذب الخبراء والمستثمرين والترويج للنجاحات المصرية، خطوة استراتيجية أيضا تعزز من تنمية القطاع ، منوهة إلى أنه بلا شك نحتاج أيضا إلى إنشاء البنية التحتية الأساسية عن طريق الاستثمار في مراكز البيانات الحوسبية الفائقة (Supercomputing) للباحثين والشركات الناشئة بأسعار مدعومة، لأن تدريب النماذج المعقدة يحتاج إلى قوة حاسوبية هائلة.
وأكدت على أن الركائز الأساسية لاختيار القطاعات التى تراهن عليها مصر لدمج الذكاء الاصطناعي في أنشطتها، يجب أن تتركز على الأولوية الوطنية: القطاعات التي تمثل تحديًا أو أولوية للدولة (مثل الأمن الغذائي، الصحة العامة)، والأثر الاقتصادي المباشر: القطاعات التي يمكن أن تزيد الإنتاجية، تقلل التكاليف، أو تخلق أسواقًا جديدة، ووفرة البيانات: توفر بيانات يمكن للذكاء الاصطناعي تحليلها، والقابلية للتطبيق: وجود أساس تكنولوجي يمكن البناء عليه.
من جانبه قال الدكتور حمدي الليثي، نائب رئيس غرفة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق، أن الخطوات الاستراتيجية التي تبنتها الدولة وخاصة إطلاق مصر للإصدار الثاني لاستراتيجية الذكاء الاصطناعي خطوة مهمة ، فالدولة التي لن تستطيع أن تواكب التطورات التي تحدث في هذا القطاع ستكون خارج السرب، مؤكدا على أن الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة حتمية، حيث أصبح يتدخل في كل المجالات، ولذلك فتلك الاستراتيجية محاولة جيدة للحاق بالانطلاق بهذا المجال خصوصا أنه في بداياته.
البنية التحتية
وأشار إلى أن البنية التحتية الحالية غير كافية لتطوير الدولة في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويجب أن تطور بصورة أكبر، بداية من تطوير العنصر البشري وتأهيله وتدريبه جيدا حتى يكون الأساس الذي يبنى عليه أي تطوير، ثم تهيئة كل ما يتعلق بالبنية التحتية للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والاتصالات، لأن البنية التحتية الحالية لا تتقدم بنفس تقدم الاحتياج إليها، ولذلك نحتاج إلى تطوير البنية التحتية بمعدلات أعلى واستثمارات أكبر.

وأكد الدكتور حمدي الليثي، على أن هناك دور كبير للمصرية للاتصالات، لأن كل شيء يبنى على البنية التحتية الخاصة بها، هذا بالإضافة إلى أهمية حرص الدولة على جذب استثمارات من الداخل والخارج، وتهيئة البيئة التشريعية المحفزة لجذب الاستثمارات، ويكون هناك دور للقطاع الخاص والاعتماد على الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل دعم هذا القطاع، خصوصا أن مصر لديها فرص كبيرة هامة لدعم هذا القطاع، من حيث السوق الضخم والشباب والتوجه إلى التحول الرقمي في كافة القطاعات، مما يمثل فرصة لجذب الاستثمارات.
ولفت الليثي إلى أن تلك الاستراتيجية تعني أننا لن نستمر في استقبال التكنولوجيا، بل سنعمل على أن نكون شركاء مع الآخرين، ونعمل على توطين صناعة التكنولوجيا لندخل في تطوير هذا القطاع عالميا ونصدرها، وهي خطوات تسعى الدولة إلى تحقيقها من خلال هذه الاستراتيجية التي تأتي في وقت مهم جدا نرى فيه تطورات رهيبة في كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وعلى مصر أن تستفيد من التغيرات التي تحدث في هذا القطاع، من خلال مواكبته والعمل على وضع خطة تتنفذ من أجل اللحاق بهذا التطور.
خطوات مهمة
ويرى شحاتة السيد، المتخصص في الذكاء الاصطناعي ورئيس مجلس إدارة شركة OshAi للذكاء الاصطناعي، أن مصر قطعت خطوات مهمة في مسار توطين الذكاء الاصطناعي، لكن يجب الاعتراف بأننا مازلنا في مرحلة تأسيسية، حيث إن الحكومة أعلنت “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي” منذ 2021، وبدأت فعلاً في بناء كوادر بشرية عن طريق برامج تدريبية ومنح دراسية بالتعاون مع جامعات عالمية.
وأشار إلى أن دخول الذكاء الاصطناعي في التعليم الأساسي بداية من 2026 خطوة رمزية وعملية في نفس الوقت، إذ أنها رمزية لأنها تعلن إن الذكاء الاصطناعي أصبح لغة المستقبل التي يجب أن يتعلمها أولادنا مبكرا، وعملية لأنها ترسخ مفهوم الثقافة الرقمية كجزء من تكوين أي طفل مصري.

وأكد على أهمية التكامل مع الدول العربية، حيث إن عمل كل بلد بشكل منفرد يجعلنا نستهلك أكثر من أن ننتج، ولذلك ففكرة “مجلس الوزراء العرب للذكاء الاصطناعي” إذا تم تنفيذها بجدية سوف تفتح المجال لتبادل الخبرات والبيانات، وهذا يوفر الوقت والموارد، فالتعاون العربي يعني أننا نستطيع بناء نماذج لغوية ضخمة خاصة باللغة العربية، ونخلق سوقا إقليميا مشتركا يمنح دفعة قوية للاستثمارات في هذا المجال.
ويضيف السيد أن الولايات المتحدة لديها الريادة في البرمجيات والمنصات (مثل OpenAI وGoogle وMeta)، بينما الصين متقدمة في البنية التحتية الضخمة والتطبيقات العملية في مجالات مثل المراقبة، والمدن الذكية، والتصنيع، ويمكن لمصر أن تعمل مع الجانبين، حيث نكتسب نقل المعرفة والبرمجيات المتقدمة من أمريكا، ونكسب التجهيزات والبنية التحتية والتمويل من الصين، مؤكدا أن هناك شركات وطنية قادرة على صناعة الذكاء الاصطناعي في مصر بشكل مستقل مثلما فعلت السعودية والإمارات، حيث إن شركة مثل OshAi هي شركة مصرية رائدة وفازت بتحدي الابتكار من جوجل.
أما عن التحديات والنواقص التي نحتاج إلى حلها لتحقيق قفزات في هذا المجال، فيقول: أول تحد هو نقص الكوادر المؤهلة على مستوى واسع، فلدينا مبدعون ومهندسون على كفاءة عالية، ولكن ليس بالعدد الذي يكفي لقيادة تحول اقتصادي كامل، بالإضافة إلى البنية التحتية، المتمثلة في سرعات الإنترنت، ومراكز البيانات، وسياسات حماية البيانات فكلها في حاجة إلى تطوير، هذا بجانب التمويل، فأغلب الشركات الناشئة في هذا المجال تعاني من صعوبة الوصول لرؤوس الأموال الجريئة، والتحدي الرابع هو الجانب التشريعي، فنحن في حاجة إلى إطار قانوني واضح يحدد الاستخدامات المسموحة ويمنع الانتهاكات.
القطاعات الرئيسية
ويشير إلى أن القطاعات الرئيسية التي يجب أن تراهن عليها مصر لدمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أنشطتها، تتمثل في 5 قطاعات، وهي: التعليم لأن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الذي يحقق عائدا بعشرة أضعاف، والصحة، فمن خلال تطبيقات التشخيص المبكر وتحليل الأشعة والملفات الطبية نستطيع توفير مليارات وتقليل الضغط على المستشفيات، والزراعة، حيث إن الذكاء الاصطناعي يساعدنا في إدارة الموارد المائية والتنبؤ بالمحاصيل، بالإضافة إلى قطاع النقل، من إدارة المرور لوجستيا وحتى تتبع الشحن، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل خسائر ضخمة في هذا القطاع، والقطاع الأخير هو الإعلام، حيث إننا في قلب معركة المصداقية، والذكاء الاصطناعي جزء من المشكلة وأيضا جزء من الحل.

من جانبه قال المهندس محمد المصري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Tactful للذكاء الاصطناعي: يجب إفساح المجال للشركات المصرية، في ظل وجود تنافسية ضخمة على مستوى العالم، وكسوق محلي يجب أن يكون هناك نوع من أنواع التمييز للشركات المصرية التي تقدم خدمات حقيقية، ويجب أن تكون الشركة تقدم حلولا ذات جودة وقيمة جيدة مقارنة بالشركات العالمية الموجودة بنفس المجال، فيجب مساعدة تلك الشركات على تقديم حلولها لمستهلكين محليين والشركات الخاصة والمؤسسات في القطاع العام، من خلال تقديم بعض المميزات التي تساعدها على تقديم خدماتها للسوق المحلي، هذا بالإضافة إلى أهمية تشجيع التصدير التكنولوجي، فنحن لدينا فرصة كبيرة لتصدير التطبيقات المبنية على الذكاء الاصطناعي للعالم، وهذا يحتاج إلى بعض المجهود لتطوير الكفاءات الموجودة في البلد، فنحن لدينا مشكلة كبيرة تتمثل في أن الخبرات العملية لأغلب المهندسين قليلة ونحتاج إلى تطوير الكفاءات لكي نطور منتجات تستطيع المنافسة على مستوى عالمي، وهذا يوفر لنا العملة الصعبة ويزيد من مكانة مصر كدولة رائدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
ويضيف أن البنية التحتية الخاصة بالبرمجيات والذكاء الاصطناعي مازالت محدودة، بداية من كفاءة الإنترنت الضعيفة في مصر مقارنة بدول أخرى لها باع في بناء تقنيات وسوفت وير تنافس على المستوى العالمي، بجانب انقطاع التيار الكهربائي في بعض الأوقات، وهذا يؤثر بالسلب على مكانة الشركات المصرية، بجانب أهمية النظر إلى مراكز البيانات لاستضافة البرمجيات داخل الدولة، فيجب أن تكون البنية التحتية قادرة على توصيل البرمجيات للمستهلكين على المستوى العالمي، فلدينا نقص كبير في مراكز البيانات الموجودة، فمازل لدينا العديد من الأعمال التي نحتاج إلى تطويرها على مستوى البنية التحتية.
الحوافز المطلوبة
ياسر البنداري، المستثمر في الذكاء الاصطناعي، لفت إلى أن هناك العديد من الحوافز المطلوبة لتعزيز نمو هذه التكنولوجيا في مصر ودمجها في مجتمعات الأعمال، ومنها وجود منظومة مشجعة على نمو هذه التكنولوجيا وتعزيز حضورها في القطاعات الاقتصادية والخدمية الرئيسية، مشيرا إلى أن تحديد وزارة خاصة للذكاء الاصطناعي أو تغيير مسمى وزارة الاتصالات ستدعم بشكل رئيسي الصناعة بدءا من توفير ميزانية محددة ومناسبة للذكاء الاصطناعي حيث أن ميزانية البحث العلمي في مصر 600 مليون جنيه فقط، والذكاء الاصطناعي أحد عناصر البحث العلمي ،”مايمثل رقم محدود”.

تابع، نحن لدينا الكفاءات التي تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي وتقدم حلول مختلفة ولدينا براءات اختراع أيضا، والشركات التكنولوجية بالمنطقة قائمة على المواهب المصرية، مما يحتاج معه إلى دعم الدولة بشكل أكبر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، مثلما أصبح هناك اتجاه للكثيرين للاستثمار العقاري، فالدولة يجب أن تدفع هذه الصناعة للأمام، من خلال وضع القوانين التي تنظم ذلك، بداية من وضع تعريف لريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي، والاستماع للمتخصصين لمعرفة ما يحتاجه هذا القطاع، وتشجيع المستثمرين، بتقديم تسهيلات لهم، ويكون هناك رؤية مستقبلية للقطاع ككل، لأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحسن من القرارات في الكثير من المجالات.
وأشار ياسر البنداري، إلى أن احتمالات الوصول لكامل الأهداف فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي مازالت بعيدة، في ظل توجه الكثير من الشركات الناشئة المصرية ورواد الأعمال للتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي بعيدا عن المؤسسات الكبرى التي تمتلك الإماكنيات المالية الكبيرة، إلى جانب استراتيجية الدولة للذكاء الاصطناعي التي تستهدف إنشاء صناعة متكاملة بدءا من الموارد البشرية المؤهلة وبناء القدرات المؤسسية،إلى جانب ابتكار المنصات والتكنولوجيات المطلوبة ، ووضع الأطر القانونية التي تضمن مسار هذه التكنولوجيا ومستقبلها وتأثيراتها، وهو مايحتاج لتنفيذها بالشكل المطلوب الوقت والكثير من الاستثمارات الحكومية والخاصة.
وأكد البندراي على ضرورة الإسراع فى إيجاد آليات تمويل متعددة للإنفاق على البحث والتطوير فى الجامعات وشركات القطاع الخاص الناشئة وإنشاء صناديق خاصة لتكون داعمة لتنمية الحلول القطاعية باستخدام منظومات الذكاء الاصطناعى، إلى جانب عقد اتفاقيات إطارية مع الدول ومراكز البيانات وتمويل خطوط الربط معها لإتاحة خدماتها للباحثين والمطورين حتى تتوافر مراكز البيانات المحلية.