فرضت البيانات الضخمة «Big Data» نفسها كواقع جديد على الشركات والمؤسسات المالية والبنكية بشكل خاص، نتيجة التطورات التكنولوجية التي أتاحت نوعية بيانات لم تكن متوفرة من قبل، حيث أن الوسائط التكنولوجية الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات المختلفة أتاحت معرفة بيانات عن اهتمامات الأشخاص، ومجالات البحث التي يهتمون بها، والطرق والأماكن التي يترددون عليها وحتى طبيعة استهلاكهم للمنتجات المختلفة، مما جعل هناك حاجة ماسة للاستعانة بهذه البيانات لكل المؤسسات لكي تكون قادرة على النجاح والاستمرار في عالم متغير شديد المنافسة.
وفي ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم على كافة المستويات، كان لزامًا على المؤسسات أن تتواكب مع هذا التطور بشكل متباين، حيث تختلف القطاعات فيما بينها في التخطيط أو الاستجابة للتحول الرقمي، فهناك مجالات أو قطاعات ولدت رقمية بالأساس مثل قطاع الاتصالات، وبالتالي لا تواجه تحدي التحول الرقمي عكس قطاعات أخرى مثل القطاع البنكي والذي فرضت عليه عملية التحول الرقمي أن يُعيد التفكير وتصميم منتجاته لمواكبة التطور التكنولوجي.
ومن أهم التحولات التي طرأت على جانب العرض نتيجة التحول الرقمي، هو التحول من التركيز على المنتج إلى التركيز على العميل واحتياجاته، حيث سمحت الـ Big Data بالتعرف على الأنماط الاستهلاكية واحتياجات الشرائح المختلفة من المستهلكين، وإمكانية تصميم منتجات خدمات تراعي هذه الاختلافات، وقد يتطور الأمر إلى تصميم المنتج أو الخدمة لاحتياجات عميل واحد، وهو ما من شأنه تعظيم انتماء العميل للبنك أو المؤسسة.
وعلى مستوى الصناعة المصرفية، أصبح الاستثمار في البيانات وعلومها أمر مطلوب وله عائد قد يفوق الاستثمار في البنية التحتية، حيث أن تلبية احتياجات العملاء وتوفير المنتجات التي تلبي احتياجاتهم في ظل منافسة شرسة لجذب العملاء أصبح أمرًا أساسيًا، خاصة وأن العميل أصبح يطمح في إتمام معاملاته البنكية بسرعة وبنفس طريقة شرائه من أي منصة إلكترونية، وهو ما قد يخلق ضغوطًا على العديد من القطاعات أن تواكب هذه الطفرة التكنولوجية والتحول في تفضيلات جانب الطلب.
ونظرا لطبيعة الـ Big Data وأنها مولدة من وسائط تكنولوجيا، أصبحت هذه البيانات قادرة على توفير معلومات يمكن أن تستخدم في معرفة الجدارة الائتمانية للعملاء غير المشمولين في القطاع البنكي، وهو ما يساعد البنوك على تعزيز الشمول المالي والذي تتبناه الدولة والبنك المركزي خلال السنوات الأخيرة للتحول إلى مجتمع أقل اعتمادًا على النقد.
دعم صانعي السياسات
وقال رامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزي المصري، إن العالم يمر بالكثير من التغيرات، والتي خلقت حاجة ملحة لاستخدام نظام البيانات الضخمة Big Data، والتي ستدعم صانعي السياسات في القدرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية الأكثر فعالية وتأثيرًا.
وأضاف أن البنك المركزي بدأ العمل على نظام البيانات الضخمة ودعم التحول الرقمي والابتكار في مجال التكنولوجيا المالية منذ عدة أعوام، والتي ساهمت في تجاوز التحديات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن البنك المركزي يعمل على البحث وتعزيز تعلم الذكاء الاصطناعي والذي أثبت نجاحه في مختلف اقتصاديات العالم، مضيفاً أن نظام Big Data سيساهم فى تحليل المؤشرات الاقتصادية، واستخلاص قيم رقمية تمكننا من تقييم السياسات، واتخاذ أفضل القرارات.
وذكر أن البنك المركزي المصري يلعب دورًا هامًا في تطبيق نظام تحليل البيانات Big Data، والوصول لمزيد من البيانات والمعلومات الضخمة وتحليلها، لافتًا إلى أن البنك المركزي المصري يسعى للتعاون مع الدول الأفريقية المختلفة، وتبادل ونقل الخبرات في مجال تحليل البيانات Big Data، والابتكار، والتكنولوجيا المالية، موضحًا أن نظام البيانات الضخمة والتحول الرقمي سيدعم الدول الأفريقية في التصدي لكثير من الأزمات الاقتصادية.
وبدأت البنوك المصرية وضع استراتيجيات لاستخدام Big Data منذ عام 2015، حيث كان البنك التجاري الدولي أول البنوك التي سعت لاستخدام البيانات الكبيرة لتعظيم كفاءة وفعالية القرار الاقتصادي الخاص بالبنك وزيادة القدرة على التنبؤ باحتياجات العملاء والقطاع المصرفي، وخلق ميزة تنافسية للبنك.
واستطلعت «FollowICT» أراء مجموعة من المصرفيين حول رؤيتهم لما وصل إليه القطاع المصرفي المصري في مجال الـ Big Data، والذين أشاروا إلى أن البنوك وخاصة الكبيرة منها بدأت تولي اهتمامًا متزايدًا للبيانات الضخمة وإنشاء إدارات متخصصة تضم أفضل الكفاءات المصرفية لتعزيز قدرة البنك على تلبية احتياجات عملائه وزيادة انتمائهم للمؤسسة.
تطوير الاستراتيجيات
وأوضحوا أن استخدام البيانات الضخمة الـ Big Data يُمكن البنوك من تطوير استراتيجياتها وبالتالي تحسين نتائج أعمالها على كافة المجالات، مثل التسويق وجودة الخدمات المقدمة أو رفع مستويات خدمة العملاء، إضافة إلى توفير مزايا تنافسية مع بقية المؤسسات.
وقال إسلام ذكري الرئيس التنفيذى لتحليل وإدارة البيانات بالبنك التجاري الدولي CIB في حوار سابق مع FollowICT، إن استخدام «Big Data» يساعد في جوانب متعددة، تتمثل في فهم طبيعة العملاء وتحقيق متطلباتهم، ومتابعة وتحسين العمليات الداخلية، والتأكد من ربحية العمليات التجارية، وتوفير خدمات وعروض مفصلة للعميل، مما يعمق من علاقة العميل بالبنك ويعمل على تحسين تجربة العميل المصرفية، وبالتالي يساعد البنوك على ضبط سياساتها التسويقية والتشغيلية ويمنحها قدرة أكبر في تقييم قراراتها وخططها المستقبلية.
ولفت إلى أن البنك التجاري الدولي قام بتكوين أول فريق مصرى متخصص فى علوم البيانات الضخمة، يضم علماء وخبراء بيانات، وخبراء تحليل إدارة الأعمال، فضلاً عن إنشاء إدارة بحوث العمليات وهو ما ساهم في خفض وقت انتظار العميل داخل الفرع من أجل الحصول على الخدمة المطلوبة بشكل أسرع.
وأشار إسلام ذكري ، إلى أن استخدام الـ Big Data قلص المشكلات التي قد يتعرض لها العملاء بسبب توقع الخلل الذي قد ينتج عنه مشكلة، وأدى ذلك بدوره لتخفيض عدد الشكاوى بصورة كبيرة، مشيرًا إلى أن البنك يقوم بتعقب الشكاوى وتقييم العاملين وتوعيتهم بصورة مستمرة، وإيصال صوت العملاء فى صورة مؤشرات رقمية متعلقة بمستوى الخدمة، ورضا العميل عنها.
الحملات التسويقية
وفيما يخص تطوير الحملات التسويقية، أشار إلى أن استخدام الـ Big Data أسهم فى تعزيز رؤية البنك وإدراكه لاحتياجات العملاء، وطريقة التواصل معه، مؤكدًا أن التركيز على القنوات التفاعلية المناسبة للعملاء يعد من العوامل المهمة فى استجابة العميل لخدمات البنك.
من جانبه قال محمد الذهبي، رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بميد بنك ورئيس لجنة التكنولوجيا باتحاد بنوك مصر، إن القطاع المصرفي يسعى بشكل كبير للاستفادة من ثروة البيانات الموجودة الـ Big Data وذلك لتصميم منتجات مبتكرة مصممة خصيصًا للعملاء وفقا لسلوكيات كل عميل وحجم إنفاقه.
أشار إلى أن الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والتي تسهم في تحليل البيانات، تساعد البنوك في بناء خططها المستقبلية ووضع استراتيجيات مبتكرة تواكب التطورات التي تشهدها الصناعة المصرفية من ناحية وتلبي احتياجات عملائها من ناحية أخرى.
توسيع قاعدة العملاء
وحول كيفية تحقيق أكبر استفادة ممكنة من استخدام البيانات الكبيرة، شدد «الذهبي» على ضرورة استغلال البنوك -وخاصة الصغيرة منها- مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا لتعزيز تواصلها مع أكبر عدد ممكن من الأفراد، لمعرفة احتياجات العميل بصورة دقيقة وتوسيع قاعدة العملاء.
ذكر أن البنوك الكبيرة تمتلك ميزة نسبية في استخدام الـ Big Data مقارنة بالبنوك صغيرة الحجم، نظرًا لامتلاكها قاعدة عملاء كبيرة، وهو ما دفعها إلى تصميم قطاعات متخصصة لهذا المجال لتلبية احتياجات قاعدة عملائها الكبيرة.
ونوه بأنه في ظل التحول الرقمي الذي تتبناه الدولة والبنك المركزي المصري والبنوك العاملة في السوق المحلية خلال السنوات الأخيرة، كثفت البنوك جهودها نحو التوجه إلى استخدام كل ما يتعلق بتسهيل معاملات العميل البنكية عبر طرح منتجات مصرفية رقمية مبتكرة، وهو ما انعكس على زيادة المعاملات الرقمية وزيادة نسبة الشمول المالي ليتجاوز 56% مقارنة بنحو 33% في 2017.
من جانبها قالت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، أن من الضروري في الوقت الحالي أن تعمل البنوك المصرية على تعظيم استخدام البيانات والاستفادة منها في العروض المقدمة للعملاء وسياساتها التسويقية ، مشيرة إلى أن “البيج داتا” يمكن أن تقدم صورة متكاملة عن متطلبات العميل مع التقسيم العلمي لفئات العملاء كما أنها قادرة على استخلاص استنتاجات حول تقسيم عملائها وهيكل دخلهم ،وفهم قنوات معاملاتهم، وجمع التعليقات بناءً على مراجعاتهم ، وتقييم المخاطر المحتملة، ومنع الاحتيال.
ثروة من البيانات
وأشارت إلى أن هذه التقنية تدعم البنوك بإمكانية الوصول إلى ثروة من البيانات حول دخل العملاء وعن رواتبهم لفترة معينة والدخل الذي يمر عبر حساباتهم ، ويمكنللبنك تحليل هذه المعلومات والتوصل إلى استنتاج حول ما إذا كان الراتب قد زاد أو انخفض ، وما هي مصادر الدخل التي كانت أكثر استقرارًا ، وما هي النفقات ، والقنوات التي استخدمها العميل لتنفيذ معاملات معينة، ومن خلال مقارنة البيانات ، تتخذ البنوك قرارات مستنيرة بشأن إمكانية تمديد الائتمان، وتقييم المخاطر ، والنظر فيما إذا كان العميل مهتمًا بالمزايا أو الاستثمارات. ومن ثم ابتكار منتجات تتناسب مع كل شريحة وكل عميل كما أنها تساعد الدولة في المؤشرات الاقتصادية المختلفة.
ولفتت سهر الدماطي، إلى أن جائحة كورونا دفعت البنوك إلى التوسع في مفهوم البنوك الرقمية، فحينما طلب من الناس البقاء في المنازل اضطروا للتعامل مع الخدمات الجديدة، ووجود خدمات تكنولوجيا مالية أصبح أم ضروري في ظل الظروف الحالية، مؤكدة على ضرورة نشر الوعي بالخدمات الجديدة وأهميتها للمواطنين، وتطمين الناس بأن تلك الخدمات مؤمنة مطالبة مقدمي خدمات الاتصالات في السوق المصري بضرورة تحديث الشبكات بما يتناسب مع حجم الطلب على الخدمات والتطبيقات في الفترة الاخيرة.
ووفقا لأراء المحللين والدراسات العالمية التي تربط البيج داتا بالقطاع المصرفي، يمكن تحديد أهم 5 فوائد للبيانات الضخمة في الخدمات المصرفية ، حيث تحمل هذه البيانات إمكانات غير مستغلة للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي ترغب في فهم قاعدة عملائها وأداء منتجاتها واتجاهات السوق بشكل أفضل.
رؤية كاملة حول العملاء
أصبح تقسيم العملاء أمرًا شائعًا في صناعة الخدمات المالية لأنه يمكن البنوك من فصل عملائهم إلى فئات مرتبة حسب الديموغرافية ، لكن التقسيم الأساسي يفتقر إلى التفاصيل التي تتطلبها هذه المؤسسات لفهم رغبات واحتياجات عملائها حقًا. بدلاً من ذلك ، تحتاج هذه المؤسسات إلى استخدام البيانات الضخمة في الخدمات المصرفية لنقل التجزئة إلى المستوى التالي من خلال إنشاء ملفات تعريف مفصلة للعملاء.
ويجب أن تأخذ هذه الملفات الشخصية في الاعتبار مجموعة متنوعة من العوامل ، بما في ذلك: الديموغرافية للعميل ، كم عدد الحسابات لديهم، ما هي المنتجات التي لديهم حاليا، العروض التي رفضوها في الماضي، المنتجات التي من المحتمل أن يشتروها في المستقبل، علاقتهم بالعملاء الآخرين، الموقف تجاه البنوك وصناعة الخدمات المالية ككل ، الأنماط السلوكية ، تفضيلات الخد
تخصيص تجربة العملاء
يتوقع ما يقرب من ثلث العملاء أن تعرف الشركات التي يعملون معها معلومات شخصية عنهم ؛ في الواقع ، 33٪ من العملاء الذين تخلوا عن علاقة عمل في العام الماضي فعلوا ذلك بسبب نقص التخصيص في الخدمة التي تلقوها. ، وعلى الرغم من كل حديثها عن العلاقات المصرفية ، فإن صناعة الخدمات المالية ليست معروفة تمامًا بمستوى عالٍ من الخدمة الشخصية ، و بالنسبة لتلك البنوك التي لا تأمل في البقاء على قيد الحياة فحسب ، بل في الازدهار ، فإن التحول الموجه نحو التحليلات المصرفية في المنظور وتجربة العملاء المصممة خصيصًا من الضروريات المطلقة.
فهم كيف يشتري عملاؤك
يتم إنشاء جميع البيانات الضخمة في الخدمات المصرفية تقريبًا من قبل العملاء ، إما من خلال التفاعل مع فرق المبيعات وممثلي الخدمة أو من خلال المعاملات.
وعلى الرغم من أن كلا الشكلين من بيانات العملاء لهما قيمة هائلة ، فإن البيانات التي يتم إنشاؤها من خلال المعاملات تقدم للبنوك رؤية واضحة لعادات إنفاق عملائها ، ومع مرور الوقت ، أنماط سلوكية أكبر.
تحديد فرص البيع الإضافي والبيع العابر
تزداد احتمالية بيع الشركات للعملاء الحاليين بنسبة 60٪ إلى 70٪ مقارنةً بالآفاق المحتملة ، مما يعني أن البيع المتبادل والبيع الإضافي يوفران فرصًا سهلة للبنوك لزيادة حصتها في الأرباح – وهي فرص أصبحت أسهل من خلال تحليلات البيانات الضخمة في الخدمات المصرفية
تقييم المخاطر ومنع الاحتيال
تساعد معرفة الأنماط المعتادة للسلوك المالي للأفراد البنك على معرفة متى يحدث خطأ ما. على سبيل المثال ، إذا حاول “المستثمر الحذر” سحب كل الأموال من حسابه ، فقد يعني ذلك أن البطاقة قد سُرقت واستخدمها المحتالون. في هذه الحالة ، سيتصل البنك بالعميل لتوضيح الموقف.
ويؤدي تحليل أنواع المعاملات الأخرى أيضًا إلى تقليل احتمالية الاحتيال بشكل كبير. على سبيل المثال ، يمكن استخدام البيانات في البنوك لتقييم المخاطر عند تداول الأسهم أو عند التحقق من الجدارة الائتمانية لمقدم طلب القرض. يساعد تحليل البيانات الضخمة البنوك أيضًا على التعامل مع العمليات التي تتطلب التحقق من الامتثال والتدقيق وإعداد التقارير. هذا يبسط العمليات ويقلل من التكاليف العامة.
إدارة الملاحظات لزيادة ولاء العملاء
اليوم، يترك الناس ملاحظاتهم حول عمل مؤسسة مالية عبر الهاتف أو على الموقع الإلكتروني ويعطون رأيهم على الشبكات الاجتماعية.
ويحلل المتخصصون هذه الإشارات المتاحة للجمهور بمساعدة البيج داتا وبالتالي ، يمكن للبنك الرد بسرعة وبشكل مناسب على التعليقات وهذا بدوره يزيد من ولاء العملاء للعلامة التجارية، كما يفتح تحليل البيانات الضخمة آفاقًا جديدة لتطوير البنوك وأن تكون أكثر كفاءة وسرعة في الاستجابة لمتطلبات السوق.