يسير الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في طريقه لقيادة سوق السيارات العالم والتربع على عرشه وذلك مع سلسلة الابتكارات التي يسعى إليها ماسك.
وبعد عامين من قيام إيلون ماسك بإثارة دهشة الجمهور الذي كان يحضر حفلاً لتوزيع الجوائز، عندما أعلن بشكلٍ مفاجئ أن “تسلا” ستبني مصنعاً خارج برلين، ها هو المشروع يقترب من التحقق، ولم تكن الضجة التي تحيط أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن.
أعرب الرئيس التنفيذي لشركة “فولكس واجن” هذا الشهر عن قلقه من أن “تسلا” ستكون قادرة على إنتاج سيارة كهربائية بسرعة تبلغ ثلث الوقت الذي تستغرقه شركته – وهو تفاوت من شأنه أن يُعرِّض الوظائف للخطر.
ابتكار طريقة جديدة للإنتاج
وصف ماسك أن الابتكارات التي تعمل عليها “تسلا” بأنها تحوُّل في التصميم الهيكلي لمركباتها. إنه يريد استخدام آلات ضخمة –يساوي طولها مقطورة وارتفاعها يصل إلى منزل من طابقين – لإنتاج أجزاء الجسم الأمامية والخلفية باستخدام قطعة واحدة من المعدن. سيؤدي التمكن من إنجاز ذلك إلى توفير الوقت والتكلفة وتقليل الوزن وتحسين نطاق القيادة.
سيبدو كل هذا الضجيج مألوفاً لأولئك الذين تابعوا إطلاق سيارة تسلا من طراز “3” قبل بضع سنوات.
دعا ماسك وهو الرجل دائم الترويج إلى محاولة بناء نظام تصنيع مؤتمت للغاية تحت اسم “المدرعة الغريبة”، والذي انحرف بشكلٍ كارثي، وكاد أن يؤدي إلى إفلاس “تسلا”.
اليوم، تمتلك “تسلا” قدراً أكبر من الموارد لدعم رغبة رئيسها التنفيذي في إزاحة القيود بشأن كيفية تصنيع السيارات.
كتب آدم جوناس، كبير محللي السيارات في “مورغان ستانلي”، في تقرير صدر الشهر الماضي: “الصورة الكبيرة هنا هي أن تسلا لديها الفرصة لإعادة اختراع عملية تصنيع السيارات بالكامل لإنتاج السيارات والمصانع… تسلا تبني مصنع سيارات المستقبل”.
في وقتٍ مبكر من هذا العام، لخص ماسك مساعي “تسلا” بطريقة بسيطة، إذ كتب في تغريدة في يناير: “باستخدام آلات الصب العملاقة لدينا، نحاول حرفياً صنع سيارات بالحجم الكامل بنفس الطريقة التي تصنع بها سيارات اللعب”.
قطعة معدنية واحدة
على اللوحات الإعلانية المتناثرة حول مصنع “تسلا” عندما اُفتتح للجمهور ليومٍ واحد خلال الشهر الماضي، قالت “تسلا” إنها ستضخ الألمنيوم في أكبر آلات صب القوالب في العالم، والتي ستقوم بعد ذلك بضغط المعدن باستخدام 6,100 طن من الضغط – بقوة تعادل 1,020 فيل من الفيلة الأفريقية تقف على أداة لتشكيل الأجزاء.
سيضم المصنع ثمانية من هذه الآلات، حيث يهدف ماسك في النهاية إلى استبدال أكبر جزأين من السيارة الرياضية متعددة الاستخدامات من طراز (Y)- الهيكل الأمامي والخلفي – كل منهما بقطعة معدنية واحدة فقط.
على النقيض من ذلك، يتكون الطراز (3) الحالي من 70 قطعة معدنية للجزء السفلي الخلفي فقط.
وبينما استخدم ماسك مصطلحاً لهذه الآلات – “جيجا برس” (Giga press) – مما يشير إلى أن “تسلا” قد ابتكرتها داخل الشركة، إلا أن هذا ليس هو الحال.
قامت الشركة بشرائها من”مجموعة إدرا”، وهي شركة إيطالية مغلقة باعت هذه الآلات لثلاثة عملاء في ثلاث قارات وتجري محادثات مع شركات صناعة السيارات الأخرى والموردين الرئيسيين.
ستتفاعل المسبوكات الأمامية والخلفية مع الإطارات الموجودة أسفل الطراز (Ys)، والتي ستحتوي على بطاريات مدمجة في هيكل السيارة.
قد يكون هذا أيضاً خطوة تغيير – كان على”تسلا” وصانعي المركبات الكهربائية الآخرين حتى هذه النقطة وضع بطارياتهم في صفائح معدنية، ثم ختم تلك الأغطية لفصل الألواح الأرضية.
مصنع برلين
روج ماسك لعواقب تصنيع البطارية والجسم بشكل أبسط وأكثر تكاملاً خلال حدث “يوم البطارية” في “تسلا” العام الماضي.
وادعى أن الشركة يمكن أن تقلل الاستثمار لكل جيجاوات ساعة من إنتاج البطارية بنسبة 55%، وتقلص مساحة أرضية المصنع اللازمة بمقدار 35%.
على الرغم من كل الصعوبات التي وصفها ماسك، فقد أقر أيضاً بأن “تسلا” ستقامر في مصنعها الواقع في غرونهيد، وهي بلدة تبعد حوالي ساعة بالسيارة شرق العاصمة الألمانية.
“الكثير من التكنولوجيا الجديدة ستحدث في برلين، مما يعني مخاطر إنتاجية كبيرة”، هكذا غرد ماسك في أكتوبر من العام الماضي.
كتب ماسك في ذلك الوقت أن مصانع “تسلا” في شنغهاي وفريمونت بكاليفورنيا ستحاول القيام بنفس التحولات في غضون عامين تقريباً، عندما يتم إثبات التكنولوجيا الجديدة.
بعد خمسة أشهر من كتابة ذلك، تعرضت آلة “جيجا برس” في فريمونت لحريق طفيف. تقوم الماكينة بصهر سبائك الألمنيوم عند درجة حرارة تصل إلى 850 درجة مئوية (1530 درجة فهرنهايت) قبل أن يتم نقل المعدن إلى فرن أقل سخونة إلى حد ما.
كتب جوناس من “مورجان ستانلي” في تقريره الصادر يوم 24 أكتوبر أن عملية التصنيع صعبة جزئياً، لأن المخلوط المعدني يجب أن يدخل بسرعة تضمن حتى التبريد عبر الهيكل.
“فولكس واجن” تتأهب للمنافسة
يراقب صانعو السيارات في ألمانيا تقدم “تسلا” عن كثب. قد تبني “فولكس واجن” مصنعاً جديداً للمركبات الكهربائية بالقرب من مقرها الرئيسي في فولفسبورغ كاستجابة مباشرة لغزو ماسك.
في وقتٍ سابق من هذا الشهر، سعى الرئيس التنفيذي لشركة “فولكس واجن”، هربرت دييس، إلى حشد عماله لمواجهة التحدي.
وحذَّر من أن “تسلا” قد تتمكن من صنع سيارة كهربائية في غضون 10 ساعات فقط، مقابل أكثر من 30 ساعة تحتاجها “فولكس واجن” في مصنعها في تسفيكاو.
سيُنتج مصنع “فولكس واجن” الجديد 250 ألف سيارة كهربائية في السنة ويهدف إلى اللحاق بركب “تسلا” فيما يتعلق بزمن الإنتاج.
رفع جوناس من “مورجان ستانلي” الشهر الماضي توقعاته لعدد السيارات التي ستُطلقها “تسلا” سنوياً بحلول نهاية العقد بمقدار 2.35 مليون سيارة، مشيراً إلى توقعه أن تنتج “تسلا” في المتوسط أكثر من 800 ألف سيارة في كل مصنع بحلول عام 2030.
وهذا أكبر بكثير من القدرة الإنتاجية البالغة 500 ألف وحدة تدعي الشركة أن مصنعها في فريمونت ينتجها حالياً.
كتب جوناس، مشيراً إلى الاختراق الذي حققه هنري فورد في عام 1913: لم نشهد بعد “لحظة خط التجميع المتحرك” في صناعة السيارات الكهربائية.
وأضاف “نعتقد أن الوقت يقترب من تلك اللحظة، ونعتقد أن تسلا في وضعٍ فريد يمكنها من دفع حدود بؤرة التغيير التصنيعي في صناعة السيارات”.
من جهته، أخبر ميلان نيديليكوفيتش، رئيس إنتاج “بي إم دبليو”، المراسلين خلال فعالية أجريت الشهر الماضي أن الشركة لم تعمل مع مكونات صب كبيرة مثل “تسلا”، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذا سيقلل من المرونة التي تحتاجها لإنتاج عدة أنواع مختلفة من الطرازات على نفس خطوط التجميع. مع ذلك، قال إن المناهج الجديدة التي تتبعها “تسلا” تثير اهتمامه.
وقال نيديليكوفيتش: “إذا نجح الأمر، فربما سيكون شيئاً سنفكر في اتباعه”.