إبراهيم الغرباوي: «Bit68» ترسم مسارها كلاعب إقليمي وعالمي في الحلول البرمجية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
يشهد سوق البرمجيات عالميًا نموًا متسارعًا، مدفوعًا بالتحول الرقمي، وانتشار الحوسبة السحابية، والتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي. ووفقًا لتقديرات مؤسسات أبحاث السوق، تجاوز حجم سوق البرمجيات عالميًا حاجز 700 مليار دولار، مع توقعات بمعدلات نمو سنوية مستمرة خلال السنوات المقبلة. وعلى المستوى الإقليمي، باتت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من الأسواق الصاعدة، مع تزايد اعتماد الشركات والمؤسسات على الحلول الرقمية في قطاعات مثل التمويل، والتجارة الإلكترونية، والخدمات الحكومية.
في هذا المشهد المتغير، لم تعد شركات البرمجيات مجرد جهات منفذة للتقنيات، بل أصبحت شريكًا استراتيجيًا في صياغة نماذج الأعمال، ودعم النمو، وصناعة القيمة. ومن داخل السوق المصري، تبرز تجربة مهمة تعكس هذا التحول، يقودها رائد الأعمال إبراهيم الغرباوي، مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Bit68، التي نجحت في بناء نموذج مختلف لشركات الحلول البرمجية، يقوم على الفهم العميق لاحتياجات العملاء، وتقديم التوجيه الاستراتيجي قبل التنفيذ، وبناء شراكات طويلة الأمد.
في حواره مع منصة الاقتصاد الرقمي FollowICT، يروي إبراهيم الغرباوي، رحلته الريادية منذ شغفه المبكر بالبرمجة، مرورًا بتأسيس Bit68 وتوسعها، وصولًا إلى رؤيته لمستقبل صناعة البرمجيات ودور الذكاء الاصطناعي في المرحلة المقبلة.
في البداية، كيف تعرّف نفسك؟
في البداية، أحب أن أعرّف نفسي كمؤسس ورئيس تنفيذي لشركة Bit68، وهي شركة بدأت بحوالي 15 مهندسًا، إلى أن وصلت اليوم إلى نحو 70 مهندسًا في مختلف التخصصات. وقد أصبحت Bit68 الآن شركة حلول برمجية متكاملة، تهدف إلى تقديم قيمة حقيقية وبناء شراكات استراتيجية مع عملائنا في تطوير الحلول الرقمية التي تساعدهم على النمو بما يخدم أهدافهم التجارية على المدى الطويل.
درست هندسة الكمبيوتر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ما أهم الدروس التي خرجت بها من هذه التجربة، وكيف انعكست على طريقة تفكيرك وإدارتك لـ Bit68؟
كانت دراسة هندسة الكمبيوتر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة هي البوابة لتحقيق حلمي كرائد أعمال في مجال الحلول البرمجية. فالجامعة لم تكن بالنسبة لي مكانًا للدراسة فقط، بل بدأت خلالها في بناء أول موقع إلكتروني لي في السنة الدراسية الأولى، من خلال التحاقي بمشروع تقني يدرّب الطلاب على الاستخدام العملي للبورصة.
وقبل الجامعة كنت شغوفًا بالبرمجة منذ وقت مبكر من أيام الدراسة، إذ التحقت ببرنامج تدريبي في شركة مايكروسوفت لمدة ثلاثة أشهر عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، إيمانًا مني منذ الصغر بما يمكن أن تصنعه التكنولوجيا في جعل حياة الناس أسهل.
بدأت مسيرتك المهنية قبل التخرج كمهندس برمجيات مستقل، لماذا اخترت هذا المسار غير التقليدي بدلًا من العمل في شركة؟
لأني كنت مؤمنًا منذ البداية بالعمل الحر وما يفتحه من آفاق أمام رواد الأعمال. فالمسار الريادي يدفع دائمًا للبحث عن حلول غير تقليدية، سواء كانت المشكلات تقليدية أو غير تقليدية.
بدأت مسيرتي المهنية بتأسيس شركة بدلًا من العمل في شركة، كما فعل كثير من أصدقائي. وعلى الرغم من أن التحديات التي واجهتها في البداية كان يمكن تفاديها لو التحقت بشركة، فإن شغفي منذ البداية كان أن أبني كيانًا خاصًا بي خارج حدود النموذج المؤسسي التقليدي.
في البدايات، كان الدافع إبداعيًا وشخصيًا أكثر منه مشروعًا تجاريًا، متى أدركت أن هذا المسار سيتحول إلى مستقبلك المهني الحقيقي؟
عندما ازداد حجم الطلب وتزايدت المهام المرتبطة بمتابعة مشروعات متعددة في قطاعات مختلفة، إضافة إلى التعامل المستمر مع العملاء. وكان شعوري في كل مرة ننجح فيها في بناء موقع إلكتروني أو تطبيق يعمل بكفاءة، حتى في أوقات الضغط الشديد، يؤكد لي أن هذا هو مستقبلي المهني الحقيقي.
كيف وُلدت فكرة تأسيس Bit68، وما الفجوة التي رأيتها في السوق ودعتك لخوض هذه المغامرة؟
وُلدت الفكرة عندما لاحظت فجوة واضحة في السوق تتمثل في غياب التوجيه الاستراتيجي الحقيقي لاحتياجات العملاء. فكثير من الشركات كانت تنفذ ما يُطلب منها دون فهم للأهداف أو الاحتياج الفعلي. ومن هنا وجدت أن العملاء بحاجة إلى شريك حقيقي يفهم احتياجاتهم منذ البداية ويساعدهم على اتخاذ قرارات صحيحة من الأساس.
تتحدث دائمًا عن غياب “التوجيه الرائد” للعملاء، كيف تختلف Bit68 عن شركات البرمجيات التقليدية التي تكتفي بالتنفيذ؟
نحن لا نعمل كمنفذين، بل كشركاء في اتخاذ القرار. نبدأ بالمناقشة ثم المراجعة، وهنا يكمن الفارق. نحن لا نبدأ من التنفيذ، بل من الفهم الحقيقي، ليس فقط لما يريده العميل، بل لسوق العمل أيضًا. ونعمل دائمًا على ما يخدم مصلحة العميل، حتى وإن كان ذلك مخالفًا لما يعتقد أنه يريده.
ما الذي تقصده بقولك إنكم تساعدون العملاء على تحديد ما يحتاجونه فعليًا، وليس فقط ما يعتقدون أنهم يريدونه؟
أحيانًا يأتي العميل إلينا راغبًا في تنفيذ فكرته كما هي، ظنًا منه أنها الحل الصحيح. لكننا لا ننفذ الطلب مباشرة، بل نمر بمراحل متعددة، بداية من مناقشة الفكرة، ثم تحديد الاحتياجات، ثم تحديد الهدف الأساسي من إنشاء الموقع أو التطبيق، وبعد ذلك نقترح المسار الأنسب لتحقيق أفضل استفادة للطرفين، سواء للعميل أو للشركة المنفذة.
كيف تقيّمون نضج المنتجات الرقمية لدى العملاء، وما دوركم في مرافقتهم خلال رحلة التطوير؟
نبدأ بتقييم المرحلة التي يمر بها المنتج، سواء من مرحلة الفكرة أو النمو أو التوسع. وبناءً على ذلك نحدد الأولويات، ونرافق العميل في كل خطوة، من التخطيط إلى التطوير، ثم التحسين المستمر.
نجحت Bit68 في بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء، كيف تخلقون هذا المستوى من الثقة والشفافية في سوق شديد التنافسية؟
نتعامل مع عملائنا كشركاء وليسوا مجرد عملاء. تنبع الثقة من فهمنا العميق لمنتج العميل واحتياجاته، ولا تنتهي علاقتنا به بمجرد تسليم المشروع، بل نستمر في المتابعة والدعم. كما نحرص على الوضوح التام منذ البداية والالتزام بمواعيد التسليم، لأننا نقيس نجاحنا بنجاح عملائنا، وليس بعدد الساعات أو حجم العقود.
فريق Bit68 اليوم يضم عشرات المهندسين، كيف تحافظ على ثقافة الالتزام والجودة والطموح مع هذا النمو السريع؟
نحافظ على ثقافة الالتزام من خلال التدريب المستمر للفريق. لدينا اجتماعات أسبوعية لمختلف الفرق في جميع الأقسام لمواكبة تطورات السوق، إلى جانب تطوير أدوات وتقنيات العمل التي تساعدهم على التنفيذ بشكل أفضل. نحن نعمل في سوق يتطور بسرعة كبيرة، وهو ما نراه بوضوح في التقدم السريع للذكاء الاصطناعي.
وما أصعب التحديات التي واجهتك في إدارة الشركة بين الالتزام بالمواعيد، وضمان الجودة، وتحقيق الطموحات التوسعية؟
أصعب تحدٍ هو تحقيق التوازن بين الالتزام بالمواعيد، وضمان أعلى مستوى من الجودة، مع الحفاظ على طموحات النمو والتوسع.
عملتم على مشروعات كبرى في مجالات متعددة مثل البنوك الرقمية والتكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية، أي هذه التجارب كانت الأكثر تأثيرًا في مسيرة Bit68؟
من أكثر التجارب تأثيرًا كانت في مجال التجارة الإلكترونية، وتحديدًا تجربة Tradeline، حيث كنا شريكًا رئيسيًا لهم في مرحلة التحول الرقمي. قمنا ببناء المتجر الإلكتروني، والتطبيق، ونظام التشغيل الداخلي، ومركز خدمة العملاء، وكانت تجربة محورية في مسيرة Bit68.
وكيف ساهمت مشروعات مثل Paymob وMidBank وForsa في ترسيخ مكانة Bit68 كشركة حلول برمجية رائدة في المنطقة؟
هذه المشروعات عززت ثقة السوق في قدرتنا على التعامل مع أنظمة معقدة وعالية الحساسية، ورسخت صورة Bit68 كشريك تقني قادر على العمل في قطاعات استراتيجية.
مع تقلبات الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية، كيف تعاملت Bit68 مع هذه التغيرات، ولماذا كان التوسع خارج مصر خيارًا استراتيجيًا؟
اتجهت شركات دولية للتعاون معنا كحل فعال من حيث التكلفة، وكان التوسع خارج مصر خيارًا مثاليًا لمواجهة التقلبات الاقتصادية، وفرصة حقيقية للنمو في منطقة الشرق الأوسط. لقد كان التحدي دافعًا أساسيًا لنا للتوسع.
ذكرت أن نحو 40% من دخل الشركة يأتي من خارج السوق المحلي، كيف ترى أهمية تنويع مصادر الدخل للشركات التكنولوجية؟
تنويع مصادر الدخل عنصر أساسي للاستقرار ومواجهة التقلبات الاقتصادية، كما يقلل الاعتماد على سوق واحد. إضافة إلى ذلك، فهو يفتح فرص نمو حقيقية في أسواق مختلفة، ويتيح بناء شراكات متنوعة، خاصة أن الحلول الرقمية أصبحت مطلوبة في كل الصناعات.
لديك تجربة سابقة في تأسيس شركات ناشئة مثل One Keys وGo Mal3ab، ما أبرز الفروق بين بناء شركة منتج وبناء Software House مثل Bit68؟
الفرق بينهما كبير. فشركة المنتج تشبه المطور العقاري الذي يشتري الأرض ويتحمل مخاطر التسويق والبيع، بينما يشبه الـ Software House المقاول الذي ينفذ المشروع وفق خطة زمنية ومعايير محددة، دون أن يشارك في المخاطر المرتبطة بالاستثمار أو التسويق.
وكيف يمكن لشركات البرمجيات الانتقال من مجرد منفذ للخدمة إلى شريك حقيقي في نجاح العميل؟
نحن نؤمن بأن نجاح العميل هو المعيار الأساسي لنجاح أي مشروع.
مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي وAI Agents، كيف تستعد Bit68 للموجة القادمة من التحول التكنولوجي؟
نتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز الكفاءة وليس بديلًا عن العنصر البشري. وندعم بقوة فكرة الـ AI Agents لما لها من قدرة على إنجاز عدد كبير من المهام في وقت قصير، حيث يتم تحديد مهام واضحة للـ Agent ليعمل ضمنها بكفاءة.
هل ترى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديدًا أم فرصة لشركات تطوير البرمجيات في المنطقة؟
هو فرصة حقيقية للنمو والتطور، وسيخلق وظائف جديدة. ويصبح تهديدًا فقط لمن يتجاهله. الفكرة الأساسية تكمن في كيفية استخدامه بشكل صحيح.
ما الذي يمنحك الدافع للاستمرار بعد كل هذه السنوات في بناء الشركة؟
رؤية القيمة التي نقدمها لشركائنا، وتطور الفريق، والدخول في مجالات وشراكات جديدة، إضافة إلى السعي الدائم لإيجاد حلول غير تقليدية للتحديات التي تواجه هذه الصناعة.
أيهما يحقق لك رضا أكبر: نجاح المشروعات أم تطور المواهب الشابة داخل Bit68؟
الاثنان معًا، لأن نجاحهما هو نجاح حقيقي للشركة.
وكيف تنظر إلى مفهوم التوازن بين العمل والحياة في بيئة ريادة الأعمال؟
لا أتبع نموذجًا تقليديًا للتوازن. على مستوى الأسابيع قد لا يكون هناك توازن، لكن إذا نظرت للأمر عامًا بعد عام ستجده موجودًا. هذا مجال عمل موسمي، هناك فترات عمل مكثفة وأخرى أكثر هدوءًا، وهذا يناسبني شخصيًا.
بعد رحلة امتدت لأكثر من عقد، ما الرؤية التي تسعى لتحقيقها لـ Bit68 إقليميًا وعالميًا؟
أن نصبح لاعبًا إقليميًا وعالميًا مؤثرًا في مجال الحلول البرمجية، مع الحفاظ على هويتنا كشريك استراتيجي حقيقي.
أخيرًا، ما النصيحة التي توجهها لرواد الأعمال الشباب والمطورين؟
ابحثوا عن مشكلة حقيقية، وقدموا حلًا حقيقيًا. لا تبدأوا مشروعًا لمجرد البدء أو لمجرد مواكبة صيحة مؤقتة.







